كتب: عبد الرحمن عثمان
مدير مركز آفاق عالمية للدراسات والترجمة
في خطوة مفصلية لتحقيق الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز، أعلنت أرمينيا وأذربيجان عن التوصل إلى اتفاق سلام شامل في ١٣ مارس ٢٠٢٥، يهدف إلى إنهاء النزاع حول إقليم ناجورنو كاراباخ، الذي كان مصدر توتر مستمر منذ أكثر من أربعة عقود.
الأهمية الاستراتيجية لناجورنو كاراباخ
يُعد إقليم ناجورنو كاراباخ ذا أهمية استراتيجية كبرى لكلا البلدين، نظرًا لموقعه الجغرافي في قلب القوقاز، حيث يربط بين أرمينيا وأذربيجان، وهو غني بالموارد الطبيعية والبنية التحتية الحيوية. كما يُشكل نقطة عبور حيوية لمشاريع الطاقة وخطوط النقل بين أوروبا وآسيا.
بالإضافة إلى ذلك، يُمثل الإقليم بعدًا رمزيًا وقوميًا لكل من الأرمن والأذربيجانيين، حيث ترى أرمينيا أنه جزء من تراثها التاريخي، بينما تعتبره أذربيجان إقليمًا سياديًا خاضعًا لسلطتها وفق القانون الدولي.
تفاصيل الاتفاق
أعلن وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بايراموف أن الاتفاق تم التوصل إليه بعد مفاوضات مكثفة مع الجانب الأرميني، وأكدت وزارة الخارجية الأرمينية أن نص الاتفاق جاهز للتوقيع، مع إمكانية تحديد موعد ومكان التوقيع قريبًا.
الاتفاق يتضمن بنودًا رئيسية تشمل
- الاعتراف المتبادل بالحدود الإقليمية، مما يضع حدًا للخلافات حول سيادة الأراضي
- تعزيز التعاون الاقتصادي والبنية التحتية، خاصة في مجالات الطاقة والنقل
- إجراءات أمنية لضمان عدم تجدد النزاع، من خلال نشر قوات حفظ سلام دولية في المناطق الحدودية
- إعادة توطين النازحين، مما يسمح بعودة السكان الذين شردتهم الحروب السابقة
التحديات أمام تنفيذ الاتفاق
رغم الإنجاز التاريخي، لا تزال هناك عقبات قد تعرقل التنفيذ الفعلي للاتفاق، ومن أبرزها
- التعديلات الدستورية في أرمينيا
تطالب أذربيجان بتعديل الدستور الأرميني، حيث ترى أن بعض مواده تتضمن إشارات غير مباشرة إلى مطالب إقليمية في ناجورنو كاراباخ. ورغم نفي أرمينيا لهذه المزاعم، إلا أن حكومة يريفان قد تواجه تحديات سياسية داخلية إذا أقدمت على تعديل هذه المواد - ملف الحكم الذاتي في ناجورنو كاراباخ
مصير سكان ناجورنو كاراباخ الأرمن لا يزال نقطة خلاف رئيسية. فبينما تصر أذربيجان على فرض سيادتها الكاملة على الإقليم، تسعى أرمينيا إلى ضمان حقوق وحماية السكان الأرمن، وربما منحهم نوعًا من الإدارة الذاتية ضمن إطار أذربيجان - الوجود العسكري ونزع السلاح
لا تزال هناك خلافات حول الجدول الزمني لانسحاب القوات العسكرية من بعض المناطق المتنازع عليها، حيث تطالب أذربيجان بانسحاب جميع المقاتلين الأرمن من الإقليم، بينما تسعى أرمينيا إلى ضمان تأمين السكان الأرمن قبل أي انسحاب - التأثير الإقليمي والدولي
تلعب القوى الإقليمية، مثل روسيا وتركيا، دورًا مؤثرًا في النزاع. فبينما تدعم موسكو أرمينيا تقليديًا، تساند أنقرة أذربيجان. نجاح الاتفاق يعتمد إلى حد كبير على مدى التزام هذه الدول بعدم التدخل لتعطيله، خاصة مع مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة - مخاوف المعارضة الداخلية
قد تواجه الحكومتان الأرمينية والأذربيجانية اعتراضات من القوى السياسية الداخلية، حيث يوجد تيار قومي متشدد في كل بلد يعارض تقديم تنازلات. في أرمينيا، يعتبر بعض السياسيين أن القبول بسيادة أذربيجان على ناجورنو كاراباخ خيانة قومية، بينما يرى بعض الأذربيجانيين أن أي تنازل بشأن الحكم الذاتي يضعف سيادة باكو
ردود الفعل الدولية
لاقى الاتفاق ترحيبًا دوليًا واسعًا، حيث أبدت روسيا دعمها لإنهاء النزاع، فيما رحبت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بهذه الخطوة باعتبارها فرصة لتعزيز الأمن الإقليمي. كما أعربت تركيا عن دعمها لأذربيجان، مؤكدة أهمية السلام في تعزيز الروابط الاقتصادية بين دول المنطقة
المكاسب الاستراتيجية من الاتفاق
في حال نجاح تنفيذ الاتفاق، ستكون له تداعيات إيجابية، من بينها
- تعزيز الأمن والاستقرار في القوقاز، مما يسهم في جذب الاستثمارات الدولية
- فتح ممرات اقتصادية جديدة، مثل مشروع ممر “زنغازور”، الذي قد يربط أذربيجان بتركيا عبر أرمينيا
- تحقيق مكاسب اقتصادية لكلا البلدين، من خلال إعادة فتح الطرق التجارية والمشاركة في مشاريع البنية التحتية المشتركة
الخاتمة
يمثل هذا الاتفاق نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان، لكنه يبقى تحديًا سياسيًا وتنفيذيًا يتطلب تعاونًا دوليًا وإرادة سياسية قوية لضمان سلام دائم ومستدام في منطقة القوقاز