مقدمة
يُعد السد العالي أحد أعظم المشروعات القومية في تاريخ مصر الحديث، ليس فقط لما يمثله من إنجاز هندسي عملاق، بل أيضًا لما ارتبط به من معركة سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى. فهو مشروع جسّد إرادة المصريين في تحقيق الاستقلال الوطني والاقتصادي، وتخطّي العقبات الدولية والمحلية.
لقد كان السد العالي بمثابة حلقة فاصلة في مسيرة مصر نحو التنمية المستدامة، حيث حمى البلاد من أخطار الفيضان والجفاف، وأتاح لها تأمين مواردها المائية والكهربائية. كما شكّل ملحمة هندسية غير مسبوقة بترويضه نهر النيل وتحويل مجراه، إلى جانب إنقاذ كنوز مصر الأثرية ونقل سكان النوبة إلى أماكن آمنة.
الموقع:
يقع السد العالي في محافظة أسوان جنوب مصر، ويُعد رمزًا للصمود والتحدي وعلامة بارزة في تاريخ التنمية البشرية.
البداية:
• بدأ التفكير في بناء السد العالي لحماية مصر من أخطار الفيضانات والجفاف، وتأمين المياه اللازمة للزراعة والشرب وتوليد الكهرباء.
• اتُّخذ قرار البناء عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين، ووضعت التصاميم تحت إشراف المهندس موسى عرفة والدكتور حسن زكي بمساعدة شركات عالمية.
الأزمة التمويلية وتأميم قناة السويس:
• طلبت مصر تمويل المشروع من البنك الدولي بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة، لكن تم رفض التمويل لأسباب سياسية واقتصادية.
• دفع هذا الرفض الرئيس جمال عبد الناصر إلى اتخاذ قرار تاريخي بتأميم قناة السويس في السادس والعشرين من يوليو عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، لتوفير الموارد المالية اللازمة لبناء السد العالي.
العدوان الثلاثي:
• أعقب تأميم قناة السويس عدوان ثلاثي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في أكتوبر عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، بهدف استعادة السيطرة على القناة والضغط على مصر.
• ورغم التحديات، خرجت مصر منتصرة سياسيًا، واستطاعت استكمال خططها لبناء السد العالي بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي الذي قدم الدعم المالي والفني.
الصعوبات التي واجهها المشروع:
1. تحويل مجرى نهر النيل:
• تطلب بناء السد تحويل مجرى نهر النيل لأول مرة في تاريخ مصر، وهو عمل هندسي هائل استخدم فيه سد مؤقت لتحويل المياه إلى قنوات جانبية تضمن استمرار تدفق النهر أثناء البناء.
2. نقل المعابد الفرعونية:
• تسبب إنشاء بحيرة ناصر في غمر العديد من المواقع الأثرية بالمياه. ونُقلت معابد فرعونية شهيرة، مثل معبدي أبو سمبل وفيلة، إلى أماكن مرتفعة في واحدة من أعظم عمليات الإنقاذ الأثري بالتعاون مع منظمة اليونسكو.
3. تهجير سكان النوبة:
• غُمرت مناطق واسعة من أراضي النوبة بالمياه، مما أدى إلى نقل عشرات الآلاف من سكان النوبة إلى مناطق آمنة جديدة مع توفير مساكن وموارد تتناسب مع احتياجاتهم.
وضع حجر الأساس والافتتاح:
• وُضع حجر الأساس للسد العالي في التاسع من يناير عام ألف وتسعمائة وستين.
• اكتمل بناء السد وافتُتح رسميًا في الخامس عشر من يناير عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعين على يد الرئيس محمد أنور السادات.
مواصفات السد العالي:
• الطول: ثلاثة آلاف وستة أمتار.
• الارتفاع: مائة وأحد عشر مترًا.
• عرض القاعدة: تسعمائة وثمانون مترًا.
• حجم التخزين: مائة وثلاثون مليار متر مكعب من المياه في بحيرة ناصر، التي تُعد أكبر بحيرة صناعية في العالم.
أهمية السد العالي:
1. حماية مصر من الفيضانات والجفاف:
• ينظم تدفق مياه النيل، ما يحمي مصر من الكوارث الطبيعية.
2. توليد الكهرباء:
• يحتوي على اثنتي عشرة وحدة توليد كهرباء بقدرة إجمالية تصل إلى ألفي ميجاوات.
3. تأمين المياه للزراعة:
• ساهم في ري أكثر من مليوني فدان، وزيادة الإنتاج الزراعي.
4. التنمية الاقتصادية:
• دعم مشروعات صناعية وزراعية كبرى وساهم في تعزيز استقلال الاقتصاد المصري.
الخاتمة:
السد العالي ليس مجرد سد، بل هو قصة ملحمة وطنية جمعت بين الإرادة السياسية، والهندسة المتقدمة، والتضحية الاجتماعية. وبرغم التحديات الكبرى التي واجهت المشروع، نجحت مصر في تحقيق حلمها وبناء هذا الصرح العظيم الذي سيظل شاهدًا على قدرة المصريين على التحدي والبناء.