كتب : عبد الرحمن محمد عثمان
الصراعات العرقية والدينية لا تموت أبدا، هذا ما أثبته الصراع الذي نشب مؤخرا بين أرمينيا وأذربيجان حول السيطرة على إقليم “ناجورني كاراباخ ، الذي هو إمتداد للصراع الذي بدأ بين البلدين منذ نهانهاية القرن العشرين . فالإقليم في حد ذاته لا يشكل تلك الأهمية الإستراتيجية التي تفجر صراعا بين دولتين لكنه في مضمونه صراعا دينيا وعرقيا متأصل بين عرقين كانا يتعايشان بقوة الحديد والنار في ظل حكم الإتحاد السوفييتي السابق، لكنهما دخلا في صراع دام بمجرد إنهيار الإتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991 . وخمد الصراع قليلا بعد تدخل دولي في 1994 لكن نيرانه ظلت مشتعلة تحت الرماد وتفجر مرة أخرى في نهياة سبتمبر 2020 .
ومن خلال هذا الملف سوف نستعرض بعض المعلومات عن الإقليم المشتعل وصراعاته المتأججة.
خلال
الاسم
كلمة ناجورني تعني بالروسية جبال أو مرتفعات أما كلمة قرة باخ فتعني الحديقة السوداء فلذلك يمكن ترجمة الاسم إلى جبال الحديقة السوداء.
ويعرف الإقليم باسم ارتساخ في أرمينيا وهي كلمة مكونة من جزئين الأولى أرا وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء والكلمة الثانية هي تعني الغابة أو الكرمة لذلك يعني الاسم الأرميني غابة أو كرمة الإله أرا. أما الأذر فيعرفونها باسم بخاري قرة باخ أي قرة باخ العليا.
وتتناقل وكالات الأنباء اسم الإقليم بعدة كتابات
ناجورني كاراباخ
- ناجورنو قره باخ
- ناجورني قرة باخ
ناغورني قرة باغ
الموقع الجغرافي
يقع الإقليم في قلب الأراضي الأذربيجانية وعاصمته سيتباناكيرت نسبة للزعيم الأرميني البلشفي ستيبان شوماهان. تبلغ مساحة الإقليم 4,800 كم2 ويبعد عن باكو عاصمة أذربيجان حوالي 270 كم غرباً. يغلب على الإقليم الطبيعة الجبلية كما توجد بعض الأنهار التي يستخدم ماءها في إنتاج الكهرباء والري. وهو إقليم فقير في موارده الاقتصادية، ويعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية.
من أهم المحاصيل الحبوب والقطن والتبغ.
التوزيع الديني للسكان السكان
يقطن الإقليم حوالي 150 ألفا يمثل الأرمن (الأغلبيّة الساحقة منهم تتبع كنيسة الأرمن الأرثوذكس) فيهم حوالي 95 % من السكان وقد كان الإقليم نقطة التقاء عدة إمبراطوريات كالامبراطورية الروسية والعثمانية والفارسية
ونشبت بينها العديد من الحروب التي كان مسرحها الإقليم. مما جعل الإقليم مسرحا لعدة تغيرات في تركيبته السكانية. وقبل النزاع على الإقليم في عام 1992 كان الأرمن يقطنون مدينة ستيباناكيرت ويقطن الأذريون مدينة شوشا عاصمة الإقليم قبل العهد السوفيتي.
نظام الحكم
يعلن الإقليم نفسه على أنه جمهورية مستقلة ولكنها لا تلقى أي إعتراف دولي [ حتى من أرمينيا التي تعتبر الإقليم جزءا منها].
أُجريت انتخابات في الإقليم في أغسطس 2002 وقد فاز بها ركادي غوكاسيان
جذور الصراع
تبدأ جذور الصراع في الحقبة السوفيتية في عشرينات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين بتطبيق سياسته في التفريق بين الإثنيات وإشعال نار العداء بينها وتفتيت قواها، فقد تعمدت السلطة السوفيتية في عام 1923 ضم الأقلية الأرمينية (سكان كاراباخ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانيا رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، وفي المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم “ناختشيفان” معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفيتية منحت “كاراباخ” صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة.
ظل هذا الوضع مجمداً فظلت السياسات القمعية السوفيتية وإرهاب الحديد والنار إلى أن تراخت القبضة السوفيتية في عهد جورباتشوف [ 1985-1991] . ففي فبراير 1988 تجرأ المجلس السوفيتي الكاراباخي، وطلب من موسكو انضمام “ناجورني كاراباخ” إلى أرمينيا. وبالطبع اعترض القادة الأذريون لدى سلطة موسكو. وسرعان ما تشابك الأذر مع الأرمن في “كاراباخ”، لتتحول الاشتباكات بسرعة فائقة إلى حرب أهلية تركت قتلى وجرحى ولاجئين على كلا الجانبين. وفي ديسمبر 1989 ازداد الموقف تعقيداً بإعلان مجلس السوفيت الأرمني توحيد إقليم “ناجورنو كاراباخ” مع جمهورية أرمينيا.
وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي 25 ديسمبر 1991- وظهور كل من أذربيجان وأرمينيا كجمهوريتين مستقلتين ، أعلن الانفصاليون في إقليم “كاراباخ” في مطلع 1992 الاستقلال عن أذربيجان، ورفض الانضمام إلى أرمينيا. غير أن حكومة أرمينيا أمدت مقاتلي “كاراباخ” الإنفصاليين بالسلاح والرجال، بل توغلت قواتها داخل أذربيجان، كما احتلت الشريط الأرضي الفاصل جغرافياً لكاراباخ عن أرمينيا (ويسمى رواق لاچين) وكذلك أراضي 6 مقاطعات أخرى شرق وجنوب كاراباخ واحتلت 20% من إجمالي أراضيها في منتصف 1993. وكانت النتيجة أن فر مئات الآلاف من السكان الأذريين هرباً من القوات الأرمينية الغازية. وانتقل اللاجئون إلى معسكرات -كثير منها حول العاصمة الأذربيجانية باكو.
ساند الروس أرمينيا في هذه الحرب كثيراً مما سهل من النصر الذي حققه الأرمن. وفي مايو 1994 قبلت جميع الأطراف -بما فيها أذربيجان المحتلة أراضيها- اتفاقاً لوقف إطلاق النار، والاحتكام إلى المفاوضات السلمية؛ حقناً للدماء. وكان الوسيط الرئيسي في المفاوضات هو الاتحاد الأوربي الذي فوض مجموعة من الدول برئاسة فرنسا والولايات المتحدة وروسيا للاجتماع في مينسك -عاصمة بيلاروسيا- لبدء التفاوض. وهذه الدول التي عرفت فيما باسم “مجموعة منسك”.
من جانبهم ، أعلن الإنفصاليون الأرمن قيام جمهورية ناجورني كاراباخ التي لم تعترف بها أي دولة ، حتى أرمينيا التي تعامل الإقليم كجزء منها.
روبرت كوتشاريان
قائد القوات الإنفصالية الأرمنية في تلك الحرب كان “روبرت كوتشاريان” ، وهو الذي أصبح رئيسا لوزراء الإقليم وأول رئيس له بين أغسطس 1992 وديسمبر 1994، كما وشغل منصب رئيس جمهورية أرمينيا بين أبرل 1998 وأبريل 2008. وهو شخص متعصب جدا ويقوم بالتواجد في منطقة الصراع منذ نشوب المعارك الجديدة في سبتمبر 2020 لينقل خبراته القتالية إلى القادة الأرمن في أرض المعركة.
معارك 2020
وفي 27 سبتمبر 2020 تفجر الصراع حول الإقليم مرة أخرى ونشبت إشتباكات دامية بين الطرفين. ويرجح كثير من المراقبين العسكريين أن النزاع نشب هذه المرة بإيعاز من تركيا التي دعمت أذربيجان بالسلاح وبعدة آلاف من المرتزقة السوريين الذين نقلتهم أنقرة إلى باكو ليحاربوا إلى جانب الجيش الأذاري . وقد ظهر هذا بوضوح حين دعا وزير الدفاع التركي يوم 12 أكتوبر 2020 إلى انسحاب الانفصاليين الأرمن من ناجورني كاراباخ في اتصال هاتفي مع وزير دفاع روسيا.
وشدد الوزير التركي خلوصي أكار في حديثه مع سيرغي شويخو على ضرورة قيام أرمينيا “التي هاجمت المناطق المدنية في انتهاك لوقف إطلاق النار، بوقف هجماتها وبالانسحاب من الأراضي التي تحتلها”، وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية.
وأضاف أكار أن ” أذربيجان لا يمكن أن تنتظر 30 عاما أخرى للتوصل إلى حل”، في إشارة إلى وقف إطلاق النار الأول الذي تم التوصل إليه في عام 1994 وأدى إلى تجميد النزاع بعد حرب خلفت نحو 30 ألف قتيل.