انهيار نظام الرئيس بشار الأسد بعد خمسٍ وعشرين سنة من الحكم يمثل نقطة تحول كبرى في تاريخ سوريا والشرق الأوسط. ورغم أن العوامل الداخلية لعبت دورًا أساسيًا في هذا السقوط، إلا أن الأدوار الخارجية، خاصة الأمريكية والإسرائيلية، كانت حاسمة في تسريع انهيار النظام.
أولًا: إرث نظام الأسد وأسباب انهياره
منذ العام ألفين، اعتمد بشار الأسد على القمع والاستبداد لإحكام سيطرته على سوريا. ومع ذلك، بدأت ملامح الانهيار تظهر مع تدهور الوضع الاقتصادي وتصاعد المعارضة الشعبية بعد العام ألفين وأحد عشر.
لكن من المهم الإشارة إلى أن:
1. العقوبات الاقتصادية الأمريكية: فرضت الولايات المتحدة عقوبات مشددة على النظام السوري، خاصة عبر قانون “قيصر”، الذي حاصر الاقتصاد السوري وقطع إمدادات التمويل الأساسية، مما أدى إلى شلل اقتصادي شامل.
2. التنسيق الإسرائيلي مع المعارضة: لعبت إسرائيل دورًا غير مباشر في إضعاف النظام السوري عبر دعم بعض الفصائل المعارضة في الجنوب السوري وتكثيف الغارات الجوية التي استهدفت المنشآت العسكرية الاستراتيجية ومراكز النفوذ الإيراني في سوريا.
ثانيًا: الدور الأمريكي والإسرائيلي في إسقاط النظام
1. الدور الأمريكي:
• سياسة الاحتواء: سعت الولايات المتحدة إلى إضعاف النظام السوري عبر العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي.
• دعم المعارضة: قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا ولوجستيًا محدودًا لبعض فصائل المعارضة، خاصة في الشمال السوري.
• التوازن الإقليمي: لعبت واشنطن دورًا في تنسيق الجهود الدولية لمنع عودة سيطرة النظام الكاملة، مع الحفاظ على تحجيم النفوذ الإيراني والروسي في سوريا.
2. الدور الإسرائيلي:
• استهداف البنية العسكرية: كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على سوريا خلال السنوات الماضية، مركزة على المواقع الإيرانية وحزب الله، مما أدى إلى إضعاف القدرات العسكرية للنظام.
• تحييد التهديدات: حرصت إسرائيل على إضعاف النظام لضمان أمنها الحدودي ومنع إنشاء قواعد عسكرية إيرانية دائمة في سوريا.
• تعزيز الانقسام الداخلي: عبر الاتصالات غير المباشرة مع بعض الفصائل المعارضة، دعمت إسرائيل تآكل سلطة النظام في المناطق الجنوبية.
ثالثًا: مغزى السقوط وأبعاده
1. إعادة تشكيل الموازين الإقليمية: انهيار النظام السوري يعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط، حيث تتراجع روسيا وإيران، بينما تحافظ الولايات المتحدة وإسرائيل على نفوذ قوي في المنطقة.
2. تفكيك المحور الإيراني: يُعد سقوط النظام السوري ضربة قوية لإيران، التي كانت تعتبر دمشق حلقة أساسية في “محور المقاومة” الممتد إلى حزب الله في لبنان.
3. تداعيات على الأمن الإسرائيلي: رغم أن إسرائيل استفادت من إضعاف النظام، إلا أن انهياره قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار على حدودها، مما يدفعها لمزيد من التدخل في الشأن السوري.
رابعًا: التحديات المستقبلية
رغم أن سقوط النظام يشكل انتصارًا على الاستبداد، إلا أن المرحلة القادمة تحمل تحديات معقدة:
• الصراع بين الفصائل: قد يؤدي غياب السلطة المركزية إلى اندلاع صراعات بين الفصائل المعارضة، مما يهدد استقرار البلاد.
• دور القوى الإقليمية: ستتنافس القوى الإقليمية والدولية لملء الفراغ السياسي والعسكري، مما قد يطيل أمد الأزمة.
• إعادة الإعمار: تحتاج سوريا إلى جهود دولية ضخمة لإعادة الإعمار، وهو ما قد يتعثر بسبب تضارب المصالح بين القوى الكبرى.
الخاتمة
إن انهيار النظام السوري يمثل نقطة تحول فارقة في المنطقة، حيث يكشف عن هشاشة الأنظمة التي تعتمد على القمع والدعم الخارجي للبقاء. ومع أن العوامل الداخلية كانت محورية في سقوط النظام، إلا أن الأدوار الأمريكية والإسرائيلية لعبت دورًا أساسيًا في إضعافه وإنهاكه. يبقى مستقبل سوريا مرهونًا بقدرة القوى المحلية والدولية على إيجاد حلول سياسية تنهي الصراع وتعزز الاستقرار.
