في مثل هذا اليوم، 15 فبراير ٣٩٩ قبل الميلاد، وُلدت واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً في تاريخ الفكر الإنساني بإعدام الفيلسوف الأثيني سقراط، الذي أصبح رمزاً للبحث عن الحقيقة والتمسك بالمبادئ رغم كل التحديات.
حياة سقراط وفلسفته
سقراط، الذي عاش في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، لم يترك وراءه كتباً بنفسه، إذ اعتمدت رواياته على أقوال تلاميذه ومن أبرزهم أفلاطون وزينوفون. ومع ذلك، فإن إرثه الفكري يتجلى في الحوار الفلسفي والمنهج الاستقصائي الذي تبنّاه، والمعروف بـ”الطريقة السقراطية”. كانت هذه الطريقة قائمة على طرح الأسئلة المتواصلة، وكشف التناقضات في الأفكار، مما دفع الأفراد للتفكير النقدي والسعي وراء معرفة الذات والفضيلة.
المحاكمة والإعدام
واجه سقراط محاكمة شديدة الاتهام بإفساد عقول الشباب وعدم الاعتراف بالآلهة التقليدية لأثينا. وعلى الرغم من محاولاته الدفاعية القائمة على الحوار والبحث عن الحقيقة، أصدر القضاء حكمه عليه بالإعدام. اختار سقراط مواجهة مصيره بشجاعة غير مسبوقة، مفضلاً الحفاظ على مبادئه والتزامه بالفلسفة التي دافع عنها طوال حياته. ومن هنا، أصبح إعدامه حدثاً محورياً في تاريخ الحرية الفكرية والبحث العلمي، إذ أظهر أن الحقائق لا تُفقد قيمتها حتى وإن طال ثمنها الإنسان.
الأثر العالمي لإرث سقراط
لم تكن فلسفة سقراط مجرد نظريات فلسفية جامدة، بل كانت دعوة دائمة للتساؤل والتفكير النقدي، وهو ما انعكس على الحضارة الغربية جمعاء. فقد شكّل سقراط حجر الزاوية في تطور الفلسفة، حيث أثرت مناهجه في كل من الفكر الديني والسياسي والأخلاقي، لتصبح دعوته للعيش حياة مُفحوصة (الحياة المُختبرة) مرادفة للبحث عن الحقيقة والعدالة. تُناولت كتبه ومحادثاته، كما رصدها تلاميذه في حواراتهم الشهيرة، مسائل أساسية تتعلق بالطبيعة البشرية والمعرفة والفضيلة، مما ألهم أجيالاً طويلة من المفكرين والفلاسفة حول العالم.
إن تأثير سقراط العالمي يتجلى في تطور الفكر الفلسفي والنهج النقدي الذي تبناه العلماء والباحثون عبر العصور. فقد شكلت طريقة طرح الأسئلة منهجاً دراسياً يُدرس في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حتى يومنا هذا، وهو ما يُبرِز أهمية الحرية الفكرية والإصرار على معرفة الذات في مواجهة المعتقدات السائدة والسلطات التقليدية.
خاتمة
اليوم، ونحن نستذكر إعدام سقراط في 15 فبراير، نستلهم من شجاعته وإصراره على الحق أن نواصل البحث والتساؤل دون خوف. يظل سقراط رمزاً للتفكير الحر والنقد البناء، وإرثه الفكري منارة أضاءت طريق الفلاسفة والمفكرين في كل زمان ومكان، مؤكدة أن الحقيقة لا تموت بل تبقى حية في عقول كل من يسعى لاستقصائها.