في مثل هذا اليوم، 14 فبراير 1961، ودعنا أحد أعلام الفن والموسيقى العربية، الموسيقار زكريا أحمد، الذي ترك بصمة لا تُمحى في عالم التلحين والمسرح الغنائي.
ولد زكريا أحمد في 6 يناير 1896 لأب حافظ للقرآن، حيث نشأ وسط جو ملئ بالتلاوة والتواشيح. التحق بالكتاب ثم بالأزهر، وأظهر منذ صغره موهبة القراءة والإنشاد، ما أهله للدراسة على يد كبار أساتذة الموسيقى؛ فقد تلقى تعليمه الموسيقي على يد الشيخ درويش الحريري، الذي ألحقه ببطانة إمام ورائد الإنشاد والتلاوة الشيخ على محمود، وكذلك درس على يد الشيخ المسلوب وإبراهيم القبانى. وفي عام 1919 بدأت مسيرته الفنية كملحن بعد أن قدمه الشيخان على محمود والحريري لإحدى شركات الأسطوانات، ليتبوأ لاحقًا مكانة مرموقة في عالم الموسيقى.
كان زكريا أحمد رائدًا في مجال المسرح الغنائي؛ إذ بدأ التلحين للمسرح في عام 1924، حيث قام بتلحين أول أوبريت لفرقة على الكسار، ثم استمر مع فرق عكاشة وصالح عبدالحى. ولم يقتصر نشاطه على المسرح فحسب، بل كان لصوته وعزفه وقع بالغ في أروقة الموسيقى العربية، إذ لحن لأكثر من 65 مسرحية تجاوز عدد ألحانها ستمائة لحن، لافتًا بذلك موهبته الفذة وإبداعه الذي رسّخ اسمه في تاريخ الفن.
ومن أبرز ما ميزت مسيرته الفنية التعاون مع أسطورة الغناء أم كلثوم، حيث بدأ التعاون معها في عام 1931. قدّم لها في البداية تسعة أدوار ناجحة مثل «هو ده يخلص من الله» و«عادت ليالى الهنا»، وما تزال بعض كلماتها خالدة في الذاكرة، مثل:
«حبيبي يسعد أوقاته وأهل الهوى والأوله في الغرام وهوه صحيح الهوى غلاب وحلم وأنا في انتظارك والآهات وعن العشاق وقوللى ولا تخبيش وغنى لى شوى والأمل والورد جميل».
رغم وقوع خلاف بينهما في عام 1947 واستمر حتى 1960، عاد زكريا أحمد ليبدع مرة أخرى بلحن أحد روائع أم كلثوم «هو صحيح الهوى غلاب»، قبل أن يفارق الحياة بعد عام واحد.
لقد ترك زكريا أحمد إرثًا فنيًا خالدًا، إذ كان له بالغ الأثر في تشكيل معالم المسرح الغنائي والموسيقى العربية، وما زالت ألحانه تُسمع وتُحتفى بها كجزء من تاريخ الفن الراقي. وفي مثل هذا اليوم، نستذكر بفخر وإجلال هذا الموسيقار الكبير الذي غادر عالمنا لكنه بقي منارة للإبداع الفني والابتكار الموسيقي.