كتب: عبد الرحمن عثمان
تمر اليوم التاسع من نوفمبر ذكرى سقوط السور أو الجدار أو الستار الحديدي الذي كان يقسم برلين إلى شطرين ؛ شرقي وغربي ويفصل ألمانيا الشرقية عن الغربية، بل ويفتت عائلات ألمانيا إلى جزء يعيش في ألمانيا الغربية وأقاربهم يعيشون في ألمانيا الشرقية. وانتهى هذا الجدار الذي يرمز للقهر والحبس والإنعزال في 29 نوفمبر 1989 بقوة الشارع.. قوة الشعوب … قوة الحرية والإرادة الشعبية لكسر كل القيود والجمود الذي أحاط بألمانيا الشرقيةو البل وكل دول أروبا الشرقية والدول التي كانت تدور في فلك الشيوعية والحكم الشمولي في العالم.
لمحة تاريخية
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، تم تقسيم ألمانيا إلى أربعة مناطق محتلة بحسب اتفاقية يالطة، كانت الدول المحتلة هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، والمملكة المتحدةوفرنسا، وكانت هذه الدول المتحكمة والمديرة للمناطق المحتلة من ألمانيا، وتبعا لذلك، قسمت العاصمة السابقة للرايخ الألماني إلى أربعة مناطق أيضا، وفي ذات الحقبة بدأت الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي الشرقي والغرب الرأسمالي، ومثّلت برلين مسرحا للمعارك الاستخباراتية بينهم
في عام 1949 بعد قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) في المناطق المحتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدةوفرنسا، وقيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) بعد ذلك في المنطقة المحتلة من قبل السوفييت، بدأ العمل على قدم وساق على حدود كلا البلدين لتأمينها، وبقيام كيانين، دَعم التقسييم السياسي لألمانيا، وبين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وضع بشكل أولي شرطة وحرس الحدود، ولاحقا على الطرف الشرقي بدأ وضع أسوار شائكة ، رسميا كانت مدينة برلين المقسمة أربعة أقسام منطقة خالية من العسكريين، وكانت مستقلة عن الدولتين الالمانيتين الجديدتين، ولكن عمليا لم يكن الحال كذلك، فالمناطق الغربية من برلين أصبحت أقرب إلى كونها ولاية ألمانية غربية، وخلافا للمعاهدات أعلنت برلين الشرقية عاصمة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية [الشرقية].
مع زيادة حدّة الحرب الباردة التي من جملة ما أدّت إليه تقييد في الحركة التجارية مع المعسكر الشرقي وخلقت معارك دبلوماسية صغيرة مستمرة بالإضافة لسباق في التسلح، حيث بدء أيضا تعزيز الحدود، ولكن حدود جمهورية ألمانيا الديمقراطية لم تعد حدود بين أقسام ألمانيا، بل أصبحت الحدود بين المعسكر الشرقي والغربي، أو بين حلف وارسو وحلف الناتو، أي بين أيدولوجيتين سياسيتين مختلفتين، وبين قطبين اقتصاديين وثقافيين كبيرين.
ومنذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاشتراكية، بدأ انتقال أعداد متزايدة من مواطنيها إلى ألمانيا الغربية، وعلى وجه الخصوص عبر برلين، والتي كانت من شبه المستحيل مراقبة الحدود فيها، حيث كانت الحدود تمر في وسط المدينة وأحيائها. وبين عامي 1949 إلى 1961 ترك قرابة 3 ملايين ألماني جمهورية ألمانيا الاشتراكية! وحيث انهم كانوا في معظم الأحيان من الفئة المتعلمة، هدد ذلك القدرة الاقتصادية لألمانيا الشرقية، وهدد كيان الدولة ككل. وكان سور برلين بذلك الوسيلة لمنع هذه الهجرة، وقبل بناء السور أو الجدار، كانت القوات الألمانية الشرقية تراقب وتفحص التحركات على الطرق المؤدية إلى غرب برلين بحثا عن الهاربين والمهربين.
وكان الكثير من سكان برلين الغربية والشرقيين العاملين في برلين الغربية قد حصلوا بتبادل العملة في السوق السوداء على ميزة الحصول على المواد الأساسية بأسعار مغرية وقلة شرائهم للكماليات العالية القيمة من الشرق، الأمر الذي كان يضعف الاقتصاد في برلين الشرقية أكثر فأكثر.
أُقيم جدار برلين نتيجة صدور مرسوم خاص بذلك من قبل ألمانيا الشرقية فولكسكامر، وذلك في 12-8-1961م، ثمّ تمّ استبدال الجدار المبني من الأسلاك الشائكة والطوب، بسلسلة من الجدران الخرسانية، والتي وصل طولها إلى خمسة أمتار، كما وضع فوقها أسلاك شائكة، وأبواب مراقبة، وبنادق، وألغام، ومع حلول فترة الثمانينات امتدّ هذا الجدار لمسافة أطول، وقدّرت هذه المسافة بـ 120 كيلومتراً حول برلين الغربية، وهكذا تمّ فصل ألمانيا الشرقية عن الغربية.[٢]
لكنه لم يمنع عشرات الألمان التواقين للحرية من القفز فوقه وتسلقه وإختراع طائرات صغيرة وبالونات يحلمون بأن تحملهم إلى الغرب. وسقط عشرات منهم برصاص الشرطة والجشيش اللذان يحرسان السور.
كان سور برلين بمثابة ستارا حديديا يفصل ، ليس فقط بين شطري ألمانيا، ولكن بين أوروبا الغربية وأروبا الشرقية بما يعني هذا من قيم وتقاليد وحياة ونموذج إقتصادي رأسمالي في الغرب وإشتراكي شيوعي في الشرق.
كان اشرقيون يحلمون بالخروج من الكبت والإضطهاد والنقص الحريات في الشرق . كانوا يتطلعون للنموذج الغربي المتحرر والرفاهية التي يعيشها الغربيون والجينز وموسيقى الروك التي يرونها في الأفلام الغربية . وكانوا يستمعون للدعاية الموجهة لهم ضد بلادهم عبر راديو “أوروبا الحرة” وراديو الحرية” بلغاتهم اللذان كانا يحرضان شعوب شرق أوروبا على التمرد على نظم الحكم في بلادهم ويغريهم يحياة الرفاه الغربية .
في أوائل عام 1989 بدأت الحملات الدعائية الغربية تحرك شعوب أوروبا الشرقية … خاصة مع الحريات والتغييرات التي بدأ الرئيس اسوفيتي المتحرر “ميخائيل جورباتشوف” بالسماح بها في الكتلة الشرقية التابعة لهيمنة بلاده
وبدأت ثورة أوروبا الشرقية ولم تكن ألمانيا الشرقية ببعيدة عن هذا الحراك، بل كانت في قلبه ولم تستطع أي قوة وقف مظاهرات الشعوب التواقة للحرية وفشلت في إيقاف حركة الهروب الكبير من كل الأسوار في المجر وبولندا ورومانيا وألمانيا. حتى جاءت لحة الحقيقية وقررت حكومة ألمانيا الشرقية إلغاء كل قيود السفر والهجرة خارج البلاد . واندفع ملايين البشر إلى برلين ليستغلوا الفرصة التي خشوا أن تتراجع حكومتهم عنها . واندفعوا عبر البوابا وفوقها . وبدأ بعضهم يستغل الفرصة أكثر وأكثر فأتوا بألات لهدم الجدار الذي كان بمثابة سور للسجن الكبير الذي هو ألمانيا الشرقية .
وكان يوم 9 نوفمبر 1989 هو اليوم الذي سقط فيه “سور برلين وتنسم شعبها الحرية وعاد الألمان ليعيشوا في بلادهم أحرارا متشوقين ليوم عودة بلادهم موحدة كما كانت قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية .
ولم يطل شوقهم، ففي الثالث من أكتوبر 1990 تم توحيد ألمانيا واصبحت ألمانيا واحدة من أقوى دول أوروبا بل أقواها اقتصاديا.