في مثل هذا اليوم: وفاة محمود سامي البارودي، فارس السيف والقلم، 12 ديسمبر 1904
في الثاني عشر من ديسمبر عام 1904، فقدت مصر أحد أبرز أعلامها في الأدب والسياسة، محمود سامي البارودي، الذي لُقّب بـ”فارس السيف والقلم”. وُلد البارودي في 6 أكتوبر 1839 بحي باب الخلق في القاهرة، لأسرة من أصل شركسي. تلقى تعليمه الأولي في المنزل، حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الحربية في سن الثانية عشرة، وتخرج منها عام 1855 برتبة “باشجاويش”.
بعد تخرجه، انضم البارودي إلى الجيش السلطاني، ثم عمل بوزارة الخارجية، مما أتاح له السفر إلى الآستانة (إسطنبول حاليًا) عام 1857، حيث أتقن اللغة التركية وعمل في قلم كتابة السر بوزارة الخارجية التركية حتى عام 1863. عند عودته إلى مصر، عُيّن في مناصب عدة، منها إدارة المكاتبات بين مصر والآستانة، لكنه فضل العودة إلى الحياة العسكرية، فانتقل إلى الجيش برتبة “بكباشي” (مقدم) عام 1863، وأثبت كفاءة عالية في عمله.
شارك البارودي في إخماد ثورة جزيرة كريت عام 1865، واستمر في تلك المهمة لمدة عامين، مما أكسبه خبرة عسكرية كبيرة. كما تولى مناصب إدارية وسياسية رفيعة، مثل سكرتير الخديوي وكبير ياوران ولي العهد توفيق. لعب دورًا محوريًا في الثورة العرابية عام 1881، حيث دعا إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، وشارك في قيادة الحركة الوطنية ضد الخديوي توفيق. في فبراير 1882، تولى رئاسة الوزارة الوطنية، لكنه نُفي لاحقًا مع قادة الثورة إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا) في ديسمبر من العام نفسه، حيث قضى أكثر من سبعة عشر عامًا في المنفى.
عاد البارودي إلى مصر في سبتمبر 1899، منهكًا بسبب المرض، وقرر اعتزال العمل السياسي. توفي في مثل هذا اليوم، الثاني عشر من ديسمبر عام 1904، ليظل اسمه خالدًا في صفحات التاريخ كواحد من أعظم الشخصيات التي جمعت بين الإبداع الأدبي والشجاعة العسكرية.
من أشعار محمود سامي البارودي
اشتهر البارودي بشعره الذي أحيا به التراث العربي القديم، ومن أبرز قصائده:
• قصيدة “طرب الفؤاد وكان غير طَروب”:
طَرِبَ الْفُؤادُ وكانَ غَيْرَ طَرُوبِ
والْمَرْءُ رَهْنُ بَشاشَةٍ وَقُطُوبِ
وَرَدَ الْبَشِيرُ فَقُلْتُ مِنْ سَرَفِ الْمُنَى
أَعِدِ الْحَدِيثَ عَليَّ فَهْوَ حَسِيبي
خَبَرٌ جَلا صَدَأَ الْقُلُوبِ فَلَمْ يَدَعْ
فِيهَا مَجالَ تَحَفُّزٍ لِوَجِيبِ
ضَرَحَ الْقَذَى كَقَمِيصِ يُوسُفَ عِنْدَمَا
وَرَدَ الْبَشِيرُ بِهِ إِلَى يَعْقُوبِ
فَلْتَهْنَ مِصْرُ وَأَهْلُهَا بِسَلامَةٍ
جاءَتْ لَهَا بِالأَمْنِ بَعْدَ خُطُوبِ
بِالْمَاجِدِ الْمَنْسُوبِ بَلْ بِالأَرْوَعِ الْ
مَشْبُوبِ بَلْ بِالأَبْلَجِ الْمَعْصُوبِ
رَبِّ الْعُلاَ وَالْمَجْدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ
وَضَحَتْ بِهِ الأَيَّامُ بَعْدَ شُحُوبِ
وَرَدَ الْبِلادَ ولَيْلُها مُتَراكِبٌ
فأَضاءَهَا كَالْكَوْكَبِ الْمَشْبُوبِ
بِرَوِيَّةٍ تَجْلُو الصَّوَابَ وَعَزْمَةٍ
تَمْضِي مَضاءَ اللَّهْذَمِ الْمَذْرُوبِ
مَلِكٌ تَرَفَّعَ أَنْ تَكُونَ صِفاتُهُ
إِلَّا لَهُ أَوْ لاِبْنِهِ الْمَحْبُوبِ
• قصيدة “بقلبي للهوى داء عجيب”:
بِقَلْبِي لِلْهَوَى داءٌ عَجِيبُ
تَحَيَّرَ فِي تَلافِيهِ الطَّبِيبُ
إِذا أَخْفَيْتُهُ أَبْلَى فُؤادِي
وَإِنْ أَظْهَرْتُهُ غَضِبَ الْحَبيبُ
• قصيدة “قالت وقد سمعتْ شِعري فأعجبها”:
قَالَتْ وقَدْ سَمِعَتْ شِعْرِي فَأَعْجَبَها
إِنِّي أَخَافُ عَلَى هَذَا الغُلامِ أَبِي
أَرَاهُ يَهْتِفُ بِاسْمِي غَيْرَ مُكْتَرِثٍ
وَلَوْ كَنَى لَمْ يَدَعْ لِلظَّنِّ مِنْ سَبَبِ
فَكَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ ذَاعَتْ مَقَالَتُهُ
مَا بَيْنَ قَوْمِي وهُمْ مِنْ سادَةِ الْعَرَبِ
فَنَازَعَت