في مثل هذا اليوم، الرابع عشر من ديسمبر عام ألف وتسعمائة وواحد، شهد العالم حدثًا ثوريًا غيّر مسار التاريخ: إرسال أول إشارة لاسلكية عبر المحيط الأطلسي. هذا الإنجاز كان على يد العالم الإيطالي جوليلمو ماركوني، الذي وضع الأساس لتطور الاتصالات اللاسلكية والراديو، مما ساهم لاحقًا في اختراع الإذاعة، أحد أعظم وسائل الإعلام تأثيرًا في العالم.
ماركوني: البدايات والطموح
وُلِد ماركوني في مدينة بولونيا الإيطالية يوم الخامس والعشرين من أبريل عام ألف وثمانمائة وأربعة وسبعين. نشأ في أسرة غنية وتلقى تعليمه الأولي في المنزل. تأثر بتجارب العالم الألماني هنريش هرتس التي أثبتت وجود الموجات الكهرومغناطيسية، وآمن بإمكانية استخدامها لإرسال إشارات لمسافات بعيدة دون الحاجة لأسلاك.
بدأ ماركوني العمل على تطوير جهازه اللاسلكي عام ألف وثمانمائة وأربعة وتسعين، وبعد عام واحد فقط، نجح في تحقيق أول اختراق كبير. وفي الرابع عشر من ديسمبر ألف وتسعمائة وواحد، أرسل ماركوني أول إشارة لاسلكية عبر الأطلسي من إنجلترا إلى كندا، قاطعًا مسافة تُقارب ألفي ميل.
الإذاعة: التطبيق العملي للاكتشاف
كان اختراع ماركوني الخطوة الأولى نحو تطوير الإذاعة، التي تُعتبر اليوم من أهم وسائل الإعلام. ففي عام ألف وتسعمائة وعشرين، بدأ استخدام الإذاعة تجاريًا لنقل الأخبار والموسيقى والبرامج، ما أحدث ثورة في الاتصال الجماهيري. الإذاعة كانت امتدادًا طبيعيًا لاكتشاف ماركوني، حيث اعتمدت على نفس الموجات الكهرومغناطيسية التي استخدمها في نقل الرسائل المشفرة بنظام مورس.
أهمية الإنجاز
ثبتت أهمية الاتصالات اللاسلكية سريعًا، لا سيما في إنقاذ الأرواح. ففي عام ألف وتسعمائة وتسعة، ساهمت الرسائل اللاسلكية في إنقاذ ركاب السفينة “فيكتوريا” بعد غرقها، حيث طلبت المساعدة من السفن المجاورة. كما حصل ماركوني على جائزة نوبل للفيزياء في نفس العام، مناصفةً مع كارل فرديناند براون، عن “اختراع التلغراف اللاسلكي”.
تطور الاتصالات اللاسلكية
لم يتوقف ماركوني عند إرسال الرسائل المشفرة؛ ففي عام ألف وتسعمائة وخمسة عشر، نجح في نقل الصوت عبر مسافات طويلة. هذا الإنجاز مهد الطريق للإذاعة ولتطور وسائل الإعلام الحديثة. كما واصل ماركوني أبحاثه في استخدام الموجات القصيرة والموجات القصيرة جدًا، مما عزز استخدام اللاسلكي في مختلف القطاعات، من النقل البحري إلى البث الإذاعي.
إرث ماركوني: الاتصالات والإذاعة
بفضل ماركوني، أصبح العالم أكثر ارتباطًا. لم يكن اختراعه للتلغراف اللاسلكي مجرد تطور تقني، بل فتح الباب أمام ثورة إعلامية بدأت بالإذاعة وانتشرت لاحقًا إلى التلفزيون والإنترنت.
توفي جوليلمو ماركوني في روما يوم العشرين من يوليو عام ألف وتسعمائة وسبعة وثلاثين، لكنه ترك إرثًا خالدًا يتجسد في كل رسالة تُبث عبر الأثير، سواء أكانت صوتية أو مرئية.