بعد انهيار النظام السوري واستمرار الأزمة السورية ل ١٣ عام تتزايد التحليلات التي تتنبأ بأن سوريا قد تتحول إلى “أفغانستان جديدة”، نتيجة للصراعات الدموية، والتدخلات الأجنبية، وتشرذم القوى المحلية. هذا السيناريو يتشابك مع تعقيدات دينية وإثنية داخلية، حيث تلعب الطوائف الشيعية والسنية والكردية أدواراً بارزة في الصراع، إلى جانب التدخلات الإقليمية والدولية التي تزيد الوضع تعقيداً.
تعقيدات الطوائف الدينية والإثنية في المشهد السوري
الطائفة السنية
السنة يشكلون الأغلبية السكانية في سوريا، وكانوا في طليعة الحراك الشعبي منذ بدايته عام 2011. إلا أن الاحتجاجات السلمية تحولت سريعاً إلى صراع مسلح، وتشرذمت القوى المعارضة التي يمثل معظمها الطائفة السنية إلى جماعات مسلحة متباينة الأهداف، من بينها الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية متشددة كجبهة النصرة وتنظيم داعش. أدى غياب القيادة الموحدة إلى إضعاف النفوذ السني في الساحة السياسية، رغم أنهم يمثلون الكتلة الأكبر في مواجهة النظام.
الطائفة الشيعية
لعبت الطائفة الشيعية دوراً حيوياً في دعم النظام السوري، مدفوعة بدعم مباشر من إيران وحزب الله اللبناني. تمثل هذا الدعم في توفير مقاتلين مدربين وأسلحة متطورة، مما ساهم في تعزيز موقف النظام في المعارك الحاسمة. بالنسبة لإيران، تمثل سوريا جزءاً من مشروعها الإقليمي المعروف بـ”محور المقاومة”، وهو ما دفعها إلى التدخل بشكل مكثف للحفاظ على النظام كحليف استراتيجي.
الأكراد
الأكراد يمثلون جزءاً مهماً من النسيج السوري، وقد استغلوا الفوضى الناجمة عن الحرب لتأسيس منطقة حكم ذاتي في شمال وشرق البلاد. يدير الأكراد هذه المناطق عبر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ويعتمدون بشكل كبير على الدعم الأمريكي، خاصة في قتال تنظيم داعش. رغم ذلك، يواجهون ضغوطاً متزايدة من تركيا التي تعتبر أي تحرك كردي تهديداً لأمنها القومي.
التدخلات الدولية وتأثيرها على الأزمة
تركيا
تلعب تركيا دوراً محورياً في الصراع السوري، حيث تدخلت عسكرياً في الشمال لمنع تمدد القوات الكردية على حدودها، ولإنشاء مناطق نفوذ تخضع لسيطرتها. تدعم تركيا فصائل المعارضة المسلحة وتستضيف ملايين اللاجئين السوريين، مما يمنحها نفوذاً واسعاً في الملف السوري.
إسرائيل
على الرغم من تجنب إسرائيل التدخل المباشر في الحرب الأهلية السورية، فإنها نفذت ضربات جوية متكررة استهدفت مواقع إيرانية وأخرى لحزب الله داخل سوريا. تهدف هذه الضربات إلى منع إيران من تعزيز وجودها العسكري بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
الولايات المتحدة
أدى التدخل الأمريكي إلى قلب موازين القوى في بعض المناطق، خاصة من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية. ورغم أن الولايات المتحدة قلصت وجودها العسكري في سوريا، إلا أنها لا تزال تحتفظ بقوات صغيرة في مناطق الغنية بالنفط، مما يعكس نيتها للحفاظ على نفوذها في المنطقة.
إيران
تعتبر إيران من أبرز اللاعبين الإقليميين في سوريا، حيث تقدم دعماً عسكرياً واقتصادياً ضخماً للنظام. تسعى طهران إلى استخدام سوريا كجسر يربطها بلبنان، ويمنحها نفوذاً في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، مما يجعل وجودها في سوريا استراتيجياً.
تشرذم الجماعات الدينية والسياسية المعارضة
شهدت المعارضة السورية انقسامات حادة على أسس أيديولوجية ودينية وسياسية، مما أضعف قدرتها على تشكيل جبهة موحدة. تجمعات المعارضة تتنوع بين جماعات معتدلة تدعو إلى دولة مدنية، وجماعات إسلامية متشددة، ما جعل من الصعب التوصل إلى رؤية مشتركة لإنهاء الصراع.
التداعيات المستقبلية
يتفاقم خطر تحول سوريا إلى أفغانستان جديدة إذا استمرت العوامل التالية:
• استمرار الصراع الطائفي والإثني بين المكونات السورية.
• تصاعد التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في البلاد.
• غياب حل سياسي شامل ينهي الأزمة ويوحد القوى المتصارعة.
في ظل هذه الظروف، يبدو مستقبل سوريا محفوفاً بالمخاطر، مع احتمالية تصاعد الفوضى وتحولها إلى دولة فاشلة تهدد الأمن الإقليمي والدولي. التوصل إلى حل سياسي يتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً غير متوفر حالياً، مما يترك الباب مفتوحاً أمام استمرار الحرب لسنوات قادمة.