عبد الرحمن عثمان
مركز آفاق للدراسات والترجمة
شهدت سوريا خلال الأيام العشرة الماضية، بدءًا من 15 ديسمبر 2024، تطورات محورية أعقبت الإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث اتسمت المرحلة بقرارات سياسية جريئة، تغيرات اقتصادية واعدة، وتحركات عسكرية وأمنية تهدف إلى فرض النظام والاستقرار في البلاد.
المشهد السياسي: خارطة طريق لمرحلة انتقالية
أعلنت الحكومة السورية المؤقتة تعليق العمل بالدستور الحالي وحل البرلمان لمدة ثلاثة أشهر، كخطوة نحو إعادة هيكلة النظام السياسي وبناء دولة ديمقراطية. وقد لاقت هذه الخطوات دعمًا دوليًا واسعًا، لا سيما من دول مجموعة السبع التي أكدت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب، ودعم عملية انتقال سياسي شاملة بقيادة سورية.
الوضع العسكري: توتر مستمر رغم التحولات السياسية
على الصعيد العسكري، لا تزال مناطق عدة في سوريا تشهد توترات بين الفصائل المختلفة. في الشمال الغربي، يسيطر “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا، على مناطق واسعة، في حين تستمر هيئة “تحرير الشام” في إحكام قبضتها على إدلب وبعض المناطق المحيطة. ورغم الإعلان عن هدنة مؤقتة بين الفصائل برعاية الحكومة المؤقتة، أفادت تقارير عن اشتباكات متقطعة بين الفصائل المتنازعة، خصوصًا في المناطق الحدودية بين إدلب وحلب.
في شمال شرق البلاد، تواصل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي، سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية الكردية، مع تصاعد التوتر مع القوات التركية التي لا تزال تنفذ ضربات جوية ضد مواقع في المنطقة.
أما في الجنوب، فقد سجلت تطورات ملحوظة حيث تم تسليم العديد من المجموعات المسلحة أسلحتها للقوات الحكومية المؤقتة، في إطار مبادرة لنزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين في المجتمع.
قرار التجنيد الإلزامي: خطوة نحو ضبط الأمن
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلنت الحكومة المؤقتة قرارًا مؤقتًا بإعادة فرض التجنيد الإلزامي للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا، مع استثناءات للطلاب وبعض الحالات الإنسانية. وبررت الحكومة القرار بالحاجة إلى تعزيز الأمن ومواجهة التهديدات المستمرة من بعض الجماعات المسلحة التي ترفض الانخراط في العملية السياسية الجديدة.
كما أعلنت الحكومة إطلاق برنامج لتدريب العسكريين السابقين والمدنيين الراغبين في التطوع، ضمن خطة لإعادة تشكيل جيش وطني موحد يضم كافة أطياف المجتمع السوري. هذا القرار قوبل بترحيب من البعض باعتباره خطوة ضرورية لتعزيز الاستقرار، في حين أثار مخاوف من احتمال أن يؤدي إلى توترات إضافية.
الاقتصاد: بوادر تعافٍ
على الرغم من التوترات العسكرية، شهدت الليرة السورية تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار، ما يعكس استعادة تدريجية للثقة بالاقتصاد. كما أعلنت المفوضية الأوروبية عن إقامة جسر جوي إنساني لتقديم المساعدات الأساسية، في خطوة تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية ودعم استقرار المجتمعات المتضررة.
الوضع الإنساني: عودة اللاجئين
مع استقرار نسبي في بعض المناطق، أعلنت تركيا عن عودة أكثر من 25,000 لاجئ سوري إلى مناطق شمال البلاد. وتعمل الحكومة المؤقتة بالتعاون مع المنظمات الدولية على توفير الإمدادات الأساسية وضمان عودة آمنة ومستدامة للعائدين.
تحديات المرحلة المقبلة
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة، خصوصًا مع استمرار الانقسامات العسكرية والمخاوف من إعادة عسكرة الصراع. تحتاج الحكومة الجديدة إلى تقديم حلول واقعية للتحديات الأمنية، وتجنب أي قرارات قد تؤدي إلى تصعيد الأوضاع، مع التركيز على إطلاق حوار وطني شامل يشمل كافة الفصائل والتيارات.
خاتمة
سوريا تقف اليوم أمام فرصة نادرة لإعادة بناء نفسها كدولة ديمقراطية موحدة. ورغم المصاعب، يبقى الأمل معقودًا على قدرة الشعب السوري والقيادة الجديدة على تجاوز التحديات، وتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والكرامة والاستقرار.