قال سياسيون يوم الاحد إن خمسة أحزاب على الاقل ستبدأ يوم الاثنين اجراءات لسحب الثقة من رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي في خطوة ستمثل إحراجا شديدا للحزب وقد تقود لأزمة سياسية حادة في البلاد.
ويأتي سعي هذه الأحزاب لسحب الثقة من الغنوشي بسبب ما وصفته بأنه إدارة سيئة للبرلمان وخروقات وتجاوز للصلاحيات وسط خلافات بين أغلب عناصر الائتلاف الحاكم الهش ومطالب باستقالة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ بسبب شبهة تضارب مصالح.
وستمثل اجراءات سحب الثقة أكبر إحراج للنهضة [ البراجماتية] منذ 2013 حينما وافقت آنذاك على التخلي عن الحكم تحت ضغط احتجاجات معارضيها لصالح حكومة تكنوقراط واجراء انتخابات جديدة. وعلى عكس أغلب احزاب تيار الاسلام السياسي في المنطقة العربية تفادت النهضة محاولات عزلها حين توصلت لاتفاق لتقاسم الحكم مع العلمانيين بقيادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في 2014.
وقال المتحدث باسم حزب التيار الديمقراطي محمد عمار يوم الاحد إن أربع كتل برلمانية اتفقت على بدء اجراءات سحب الثقة من رئيس البرلمان بسبب خروقات عديدة في الادارة وقرارات أحادية بخصوص تركيبة لجان برلمانية. وتمثل هذه الكتل أحزاب تحيا تونس والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وهي أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم اضافة الى كتل الاصلاح الوطني في اشارة اخرى الى أن عمر الائتلاف الحكومي الهش لن يطول كثيرا.
ويقود الحزب الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي وهي من أنصار الرئيس السابق زين العابدين بن علي منذ أسابيع جهودا لسحب الثقة من الغنوشي متهمين إياه بأنه يخدم أجندة تنظيم الاخوان المسلمين وحلفاء في الخارج من بينهم تركيا وقطر. ورفض الغنوشي مرارا الاتهامات ويقول إنه من الاجدر الاهتمام بمعالجة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة للتونسيين بدلا من هذه الصراعات.
ويعتصم نواب الحزب الدستوري الحر في مقر البرلمان مطالبين بسحب الثقة من الغنوشي.
وتحتاج اجراءات سحب الثقة توقيع 73 نائبا على الأقل وهو عدد تحظى هذه الاحزاب بأكثر منه. وسيتيح توقيع 73 نائبا إجازة التصويت في جلسة عامة
وينص النظام الداخلي للبرلمان على وجوب الحصول على أغلبية مطلقة تبلغ 109 نواب لسحب الثقة. وستسعى هذه الاحزاب التي لها أكثر من تسعين نائبا الى حشد جهودها للوصول للنصاب القانوني.
تنامي المعارضة للغنوشي وعلاقته بتركيا :
في يناير 2020 استنكرت النخب التونسية الزيارة السرية التي أجراها راشد الغنوشي رئيس مجلس نوابالشعب ، إلى تركيا في 11 يناير 2020 ، والتي تمت وسط تعتيم إعلامي حول تفاصيلها، ولذلك فإن الزيارة أسفرت عن تداعيات سلبية على حركة النهضة وأنقرة أهمها:
ساهمت زيارة الغنوشي السرية في تشويه الصورة الذهنية لحركة النهضة، وبدا ذلك في تكاثر الانتقادات الداخلية لتوجهات الحركة ورئيسها حيال تركيا، حيث اعتبر بعض المراقبين ، أنها تؤكد مدى انخراط الغنوشي وحزبه في محاور خارجية لا علاقة لها بمصلحة الوطن العليا وبالتحديات التي تعيشها تونس اقتصاديا واجتماعيا، خاصة أنها لم تكن الأولى من نوعها، حيث قام الرجل بزيارة مماثلة وغير معلنة في عام 2017. .
في نهاية عام 2019 تدخل البرلمان التونسي وفرض رسوما جمركية على أكثر من 90% من البضائع التركية لحماية الصناعة المحلية، وهو ما رفضته حركة النهضة وانسحبت من القاعة فور بدء التصويت، ما يدلل على انحيازها للاعتبارات الإيديولوجية على حساب الاقتصاد الوطني.
وطالبت أصوات حزبية الغنوشي بالاستقالة من رئاسة البرلمان أو مواجهة إمكانية سحب الثقة منه. كما اتهمته بالإصرار على ربط قرار النهضة بتوجيهات تركية.
واعتبرت المعارضة أن تصرفات الغنوشي تمثل خرقا لقواعد الدستور، واستهانة بمؤسسة الرئاسة، لا سيما أنه لم يتم إعلام رئاسة الجمهورية بها مثلما تفرضه القاعدة البروتوكولية للعلاقة بين مؤسسات الدولة في تونس، كما أنها مخالفة للعرف البرلماني، لأنها لم تكن مدرجة في جدول أعمال مجلس نواب الشعب.
ختاماً، يمكن القول إن قطاعات سياسية تونسية معتبرة باتت ترى في حركة النهضة وكيلاً للنظام التركي في تونس، حيث كشفت الزيارة عن إعلاء الحركة لمبادئها الإيديولوجية على حساب المصالح الوطنية، وهو الأمر الذي ربما يزيد من حدة الاستقطاب السياسي في تونس التي لا تنقصها أزمات.
ويرى بعض المراقبون السياسيون أن آمال نجاة الغنوشي والنهضة من الأزمة الحالية ضعيفة ، لكنهم يخشون من تداعيات الأزمة على الوضع الأمني ، خاصة ، مع تواجد قوات المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا إلى ليبيا المجاورة حيث أن النهضة نجت بالكاد من أزمة 2013-2014 التي أخرجت الحركة من الصراع السياسي منكسرة. فالمرتزقة الأتراك قد يكونون ورقة ضغط يستخدمها تيار النهضة لتخويف التوانسة من مصير يماثل التجربة الليبية المؤلمة التي تدعم النهضة الدور التركي فيها.