أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستنسحب من اتفاقية مهمة تسمح بتحليق طائرات استطلاع غير مسلحة في أجواء عشرات الدول المشاركة فيها.
وكان مسؤولون أمريكيون رفيعي المستوى قالوا إن بلادهم ستنسحب من الاتفاقية بسبب الخروقات الروسية المتكررة لبنودها.
وفي وقت لاحق، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن ثمة “فرصة جيدة جدا لنا للتوصل إلى اتفاقية جديدة” مع روسيا.
وأوضح في وقت سابق يوم الخميس: “أعتقد أن علاقات جيدة جدا تجمعنا مع روسيا، لكن الروس لم يلتزموا بالمعاهدة. وسننسحب منها إلى أن يلتزموا بها”.
وقال مسؤولون إن واشنطن ستنسحب رسميا من الاتفاق خلال ستة أشهر.
وقال مسؤول لوكالة رويترز: “بعد هذه المراجعة، أصبح من الواضح تماما أنه لم يعد من مصلحة الولايات المتحدة أن تبقى طرفا في معاهدة الأجواء المفتوحة”.
كيف ردت روسيا؟
أصرت الخارجية الروسية على أن روسيا لم تنتهك بنود المعاهدة وأن واشنطن “ستندم جدا” على انسحابها، مضيفة أن إدارة الرئيس ترامب كانت تعمل على “تعطيل كل الاتفاقيات المتعلقة بالحد من الأسلحة”.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، لوكالة RIA نوفوستي الرسمية “نرفض أية محاولة لتبرير الخروج من هذه الاتفاقية الجوهرية”.
وأضاف: “لا شيء يمنع مواصلة النقاشات حول أمور تقنية، والتي تحرفها الولايات المتحدة وتسميها خروقات من قبل روسيا”.
كما قال إن أي انسحاب سيؤثر على مصالح كل أطراف المعاهدة، والذين بينهم أيضا أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تطور يزعج حلفاء واشنطن
تحليل جوناثان ماركوس – مراسل بي بي سي لشؤون الدفاع
إن انسحاب إدارة الرئيس ترامب من معاهدة الأجواء المفتوحة، لا يعني فقط تخليها عن اتفاقية تتعلق بالحد من الأسلحة – كانت تعتبر جوهرية من أجل تحقيق الشفافية خلال سنوات الحرب الباردة – بل يعني أيضا أن ترامب يتخلص من اتفاقية يعتقد كثير من الخبراء أنها لا تزال تجلب منافع جمة للولايات المتحدة.
وما يزيد من القلق الذي تسبب به قرار الانسحاب، أنه يأتي في وقت تنهار فيه بالكامل منظومة الحد من التسلح، وتبدأ مرحلة جديدة من التنافس القوي على دور القوة الكبرى.
وتسمح الاتفاقية بتسيير طائرات استطلاع مجهزة على نحو خاص، غير مسلحة، ولا تحتاج إلا إلى إعطاء إخطار قصير للتحليق فوق دولة أخرى لجمع بيانات عن انتشار القوات والمنشآت العسكرية وغير ذلك.
وظهرت بعض المشاكل خلال السنوات الأخيرة، إذ تؤكد الولايات المتحدة – ولديها مبرراتها – أن روسيا كانت تمنع الدخول إلى أماكن معينة. لكن منتقدين يقولون إن كره إدارة الرئيس ترامب لموضوع الحد من الأسلحة يجب أن يكون سببا لإصلاح الاتفاقية لا للتخلي عنها.
ويبدو أن ترامب يتمسك على الأقل بفرصة تُمكن بلاده من أن تلتزم بالمعاهدة، ولكن ذلك يعتمد طبعا على المحادثات مع موسكو.
وتقول وزارة الخارجية الروسية إن انسحاب الولايات المتحدة سيؤثر على مصالح كل المشاركين. ورغم أن أمريكا تستطيع بشكل جليّ استخدام الأقمار الصناعية لجمع بيانات استخبارية عن روسيا.
وسيتسبب قرار ترامب بإحداث توتر في أوساط الحلفاء الأوروبيين لواشنطن، الذين يمتلك القليل منهم فقط إمكانية الوصول إلى الأقمار الصناعية.
بدوره، دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الولايات المتحدة الخميس إلى “إعادة النظر” في قرارها. وقال ماس “أشعر بالأسف العميق على الإعلان”، مضيفا “سنعمل مع شركائنا لحض الولايات المتحدة على (إعادة) النظر في قرارها”.
وأضاف أن ألمانيا وفرنسا وبولندا وبريطانيا أوضحت مرارا لواشنطن أن وجود صعوبات من الجانب الروسي “لا يبرر” الانسحاب من الاتفاقية.
وقال إن المعاهدة “تساهم في الأمن والسلم في النصف الشمالي من الكرة الأرضية برمّته” وهو أمر “سيضعفه” انسحاب واشنطن، بينما حضّ موسكو على “معاودة تطبيقها بالكامل”.
وهذه ثالث اتفاقية يقرر ترامب سحب بلاده منها منذ وصوله إلى السلطة، بعد انسحابه من الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في 2015، ومعاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى مع روسيا التي تعود إلى العام 1988.
تجاذبات أمريكية روسية سابقة:
رغم إيجابية الغرض من الاتفاقية، إلا أنها لم تخل من التجاذبات السياسية وبعض المناوشات العسكرية، بين القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
ففي أواخر عام 2017 ، أعلنت روسيا، وضع قيود أمام الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخص اتفاق “السماوات المفتوحة”، على أن تدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 1 يناير 2018.
وأوضحت الخارجية الروسية في حينها، أن قرار وضع القيود على أمريكا، جاء ردا على “تصرفات واشنطن”.
وأشار مصدر عسكري روسي، أن بلاده ستعيد النظر في قائمة المطارات التي فتحت أجواءها أمام الطائرات الأمريكية، وذلك في رد مواز على تدابير مشابهة أعلنت واشنطن اتخاذها تجاهنا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تعتزم إغلاق أجواء عدد من المطارات في وجه المراقبين الروس فوق ألاسكا وهاواي والحد من مسافات التحليق المسموحة في الأجواء الأمريكية”.
من جانبه، أكد جوني مايكل، ممثل وزارة الدفاع الأمريكية “بنتاجون”، ردًا على التصريحات الروسية، بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل الناجح باتفاقية السماء المفتوحة، فيما دافع عن إجراءات بلاده بالإشارة إلى كونها تهدف لدفع روسيا إلى “تعاون بنّاء أكثر
وفي وقت سابق من هذا العام[2020] ، اتهم وزير الدفاع الأمريكي، مارك أسبر، روسيا بانتهاك المعاهدة عندما منعت ” الطائرات من التحليق فوق مدينة كالينينغراد وأماكن أخرى قرب جورجيا.
ثمة مخاوف من سباق تسلح جديد بين الولايات المتحدة وروسيا
وقال في ذلك الوقت: “لدي مخاوف عدّة تتعلق بالمعاهدة في شكلها الحالي. هذا الأمر مهم جدا بالنسبة للعديد من الحلفاء في الناتو، للتأكد من أن لديهم الوسائل لتنفيذ التحليق”.
وانسحبت واشنطن في 2019 من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا. وكانت تلك الاتفاقية قد وقعت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي عام 1987، وحظرت الغالبية العظمى من الصواريخ النووية وغير النووية ذات المدى القصير والمتوسط المدى.
معلومات اساسية عن الإتفاقية:
في ظل الرغبة في توفير حالة من “تعزيز الثقة” بين دول العالم، والقوى العظمى في طليعتها، ظهر عام 1992 ، مصطلح “السماوات المفتوحة”، هذا الأمر لا يعني بالطبع الإشارة إلى رحلات الطيران المدنية، بين دول العالم، وهي موجودة أصلًا بموجب المصالح والعلاقات والاتفاقات الدولية، وليس ينطبق على عصر الأقمار الصناعية – كما استخدمه “صفوت الشريف” وزير الإعلام المصري الأسبق-، وإنما ينصب على المتابعات والمراقبة في المجال العسكري لدولة على أخرى، بشكل لا ينتهك السيادة، ويحقق منافع متبادلة لكافة الأطراف.
السماوات المفتوحة أو الأجواء المفتوحة (بالإنجليزية: Treaty on Open Skies) هي معاهدة تم إقرارها في عام 1992، من قبل 27 دولة، في العاصمة الفنلندية “هلسنكي.
بدأ العمل بها في أول يناير 2002، وتضم حاليا 34 دولةهي:
إسبانيا, ألمانيا, أوكرانيا, إستونيا , أيسلندا, إيطاليا, البرتغال, بلجيكا, بلغاريا, البوسنا والهرسك, بولندا, تركيا, التشيك, جورجيا, الدنمارك , رومانيا, روسيا الإتحادية, سلوفاكيا, سلوفينيا, السويد, فنلندا , فرنسا, قرغيزيستان , كندا, كرواتيا, لاتفيا, ليتوانيا, لوكسمبورج, المجر, المملكة المتحدة, النرويج, هولندا , الولايات المتحدة , اليونان.
تسمح الاتفاقية بقيام طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف بجولات إستطلاعية في أجواء الدول المشتركة.
تهدف الاتفاقية إلى تعزيز التفاهم المتبادل والثقة عن طريق إعطاء جميع المشتركين بها، بغض النظر عن حجم الدولة المشاركة، دور مباشر في جمع المعلومات عن القوات العسكرية والأنشطة التي تهمها.
قوانين الاتفاقية
تسمح الاتفاقية بتسيير طائرات استطلاع مجهزة على نحو خاص، غير مسلحة، ولا تحتاج إلا إلى إعطاء إخطار قصير للتحليق فوق دولة أخرى لجمع بيانات عن انتشار القوات والمنشآت العسكرية وغير ذلك.
• الدولة التي تستضيف طائرات الدولة الأخرى تحصل على نسخة كاملة من المعلومات التي يتم جمعها خلال مهمتها الاستطلاعية، ويمكن لأي دولة من الدول الأعضاء الحصول على نسخة من تلك البيانات الاتفاق مع الدولة التي تملكها.
وبعد إخطار دولة ما لأخرى بقيامها برحلة إستطلاعية فوق أراضي الأخيرة، يتفق الطرفان على المطار الذي تبدا منه المهمة وطولها ومداها والأماكن التي سوف يتم إستطلاعها. كما ويقووم فريق خبراء من الدولة التي تستضيف المهمة بركوب الطائرة مع الفريق الضيف لمتابعة المهمة والتحقق من مدى إلتزام الضيوف ببنود المعاهدة ومدى مطابقة أجهزة المراقبة والكاميرات المثبتة بالطائرة مع المواصفات المتفق عليها بالإتفاقية.
وبالطبع يعد حلف الإطلنطي الأكثر إستفادة من إتفاقية السماوات المفتوحة حيث أن أعضاؤه الـ 27 جميعهم أعضاء بالإتفاقية ويمكنهم تنفيذ مهام لصالح الحلف من خلالها.
وتستفيد الدول التي لا تمتلك أقمارا صناعية من مثل هذه المهام في تحقيق أهدافها الإستخبارية من خلال قيامها بمهام مشتركة مع دول أخرى تمتلك قدرات أكبر منها. حيث قامت عشرات المهام المشتركة بين عدة دول ذات إمكانات محدودة نوعا ما .
ورغم أن تلك الصور يمكن الحصول عليها بواسطة الأقمار الصناعية بتفاصيل أكثر، إلا أن الهدف من القيام بتلك المهام ضمن حدود الاتفاقية هو بناء ثقة متبادلة بين الدول الموقعة عليها.
وعلى مستوى القوى العظمى، فقد كانت لروسيا زمام المبادرة في التنفيذ الفعلي للاتفاقية، حيث قامت موسكو بأول رحلة طيران استطلاعية في أغسطس عام 2002، بينما كانت أول رحلة استكشافية للطائرات الأمريكية في ديسمبر من ذات العام.
وفي عام 2010، جرت مراجعة الاتفاقية مرة ثانية في فيينا وسمحت باستخدام طائرات الاستطلاع لكاميرات رقمية في مهامها، ودعت إلى توسيع الاتفاقية لتضم دولا جديدة.