كتب: عبد الرحمن عثمان
عندما أصدر لورد “مارتن رِيس” عالم الفيزياء والكونيات البريطاني كتابه “ساعتنا الأخيرة” عام 2003 أثار ضجة كبيرة لم تخمد أبدا بسبب نبوؤته التي قال فيها :
” given the rate of medical advance, but an odd bet insofar as the prognosticators would not themselves expect to survive long enough to witness the outcome. I staked one thousand dollars on a bet: “That by the year 2020 an instance of bioerror or bioterror will have killed a million people.” Of course, I fervently hope to lose this bet. But I honestly do not expect to. This forecast involved looking less than twenty years ahead. I believe the risk would be high even if there were a “fre—eze” on new developments, and the potential perpetrators of such outrages or megaerrors had continuing access only to presentday techniques. But of course, no subject is forging ahead faster than biotechnology, and its advances will intensify the risks and enhance their variety. Anxiety within the scientific community seems surprisingly muted.”
“بالنظر إلى معدل التقدم الطبي ، ولكن هناك رهان غريب من حيث أن المتنبئين لا يتوقعون أنفسهم البقاء لفترة طويلة بما يكفي لمشاهدة النتيجة. رهانت بـ ألف دولار علىأنه : “بحلول عام 2020 ، ستؤدي حالة من الخطأ البيولوجي أو الإرهاب البيولوجي إلى مقتل مليون شخص”. بالطبع ، أتمنى بشدة أن أخسر هذا الرهان. ولكني بصراحة لا أتوقَّع ذلك.
تضمنت هذه التوقعات نظرة مستقبلية قبل فترة أقل من عشرين عامًا. أعتقد أن الخطر سيكون مرتفعاً حتى لو كانت هناك تجميد “” للتطورات الجديدة ، وكان الجناة المحتملون لمثل هذه الاعتداءات أو االمخطئون لا يزال لديهم وصول مستمر إلى تقنيات الحاضر فقط. لكن بطبيعة الحال ، لا يوجد موضوع [عِلْم” يتقدم بشكل أسرع من التكنولوجيا الحيوية ، وسيزيد تقدمها من المخاطر ويُعَزِّز تنوعها. يبدو القلق [ من هذا]داخل المجتمع العلمي ضعيفا للغاية بشكل مدهش.
لقد حدد لورد العالم “مارتن ريس ” 78 عاما ، بالضبط توقيت وقوع الخطأ أو الإرهاب البيولوجي” عام 2020 وكان ذلك كم اذكرنا عام 2003 أي منذ 17 عاما .
وهو عالم فيزياء وليس من قراء الطالع والعرافين، بل من الباحثين المحللين للواقع الذي يعيشه العلم وما قد تسفر عنه القفزات العلمية المتلاحقة التي لا يعرف حصادها ونتائجها الحميدة والخبيثة إلا الله تعالى والعلماء الحق.و لورد “ريس” حلل واقع التقدم المريع في التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية والجينية والجرثومية التي رأى أنها ستكون بحلول عامنا الحالي “2020” قد وصلت إلى الحد الذي يُمَكِّن الآَخِذ بزمامها والعالِم بفوائدها وشروروها أن يقوم يستخدمها في عمل إجرامي إرهابي من خلال عملية إرهابية بيولوجية أو كما حدث في حالة “فيروس كورونا” بتخليق جرثومة أو فيروس يتم نشره في إحدى الدول أو المدن ذاتالكثافة السكانية العالية مما يحدث كارثة بشرية بقتل مليون شخص أو أكثر. فهذه الفيروسات لها قدرة غير عادية على الانتشار السريع في الكثافات السكانية .
وإذا كنا ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة ،فلم تكن هناك بيئة [أو دولة ] مثالية لتطبيق هذا المبدأ أكثر من الصين التي تحوي بين حدودها 1500 مليون إنسان ، وكل مدنها “ميجا سيتي ” أو فلنقل مدن عظمى فعملية الإرهاب البيولوجي _ أيا من كان منفذها، سواء كان جهاز مخابرات أجنبي أو منظمة إرهابية- كان واثقا من تأثيرها المدمر ، إقتصاديا وبشريا ، على العملاق الأصفر.
لكن المنفذ لم لم يأخذ في الحسبان إستعداد الصين لمثل هذه الحوادث وتجهيزها لسيناريوهات الأزمة منذ ظهور فيروس “سارس” 2002-2003 وقبله إنفلونزا هونج كونج [1967]. وفي الصين “النظام نظام” ولا تساهل أو تهاون تجاه ما يضر بأمن وإقتصاد البلاد . لهذا فلم تجد صعوبة في تطبيق كل ما يلزم من إجراءات للحد من إنتشار الوباء ولخروج منه بأقل الخسائر الممكنة … بل وربما تخرج من الأزمة بمكاسب كبيرة مادية.
أما أمريكا وأوروبا اللتان وقفتا في البداية تتفرجان على الصين وهي تعاني الأزمة ، وينتظران [ بشماتة ] كيف كيف ينتهي بها المآل وكم مليون صيني سيسقطون ، وكم تريليون ستخسر، أو كيف يستفيدون ماديا من تعثرها صناعيا وإقتصاديا. لكن العملاقان الإقتصاديان لم يتحسبا لوصول “الفيروس العملاق” إلى بلاد الحرية التي يصعب السيطرة فيها على أحد. فالكلمة هناك لسطوة رأس المال .
وكانت النتيجة غير المحسوبة هي سقوط ضحايا أكثر وخسائر مادية وإقتصادية تفوق ما أصاب الصين بعشرات المرات. ويبدو أن رقم “المليون قتيل” الذي تنبأ به ” لورد مارتن رِيس” سيأتي من أوروبا وأمريكا وباقي العالم الحر.
وفي إطار نظرية المؤامرة ، لا يمكننا إستبعاد أن تكون إحدى الجماعات والمنظمات الإرهابية الدولية قد قامت بتخليق ونشر “الفيروس ، ولو على سبيل التجربة ، مستلهمة الفكرة من كتاب لورد “مارتن رِيس” التي أوحت إليهم بفكرة الجريمة البيولوجية التي يمكن أن تقتل “مليون إنسان بتكلفة مادية بسيطة . وكما يقول لورد مارتن رِيس فالتقدم في “التكنولوجيا الحيوية”وتطبيقاتها الحميدة والشريرة بات بمقدور الكثيرون الوصول إليه والتميز فيه بأقل الإمكانات العلمية . وكما نقول في مصر يمكن أن يصنعه أي طالب في كلية العلوم أو الصيدلة”تحت بير السلم”.
إما إذا كنا ممن يؤمنون بالفرضية الثانية للسير رِ]س ، ألا وهي فرضية الخطأ البيولوجي ، فلابد أن نقول أن إقليم “هوبي” ومدينة “ووهان” الصينيين هما مركز لبعض من أهم مراكز أبحاث التكنولوجيا الحيوية الصينية ومراكز لشركات أوروبية وأمريكية من الممكن أن يكون قد تسرب منها بطريق الخطأ بعض من الفيروسات المخلقة التي يجرون عليها الأبحاث أو يصنعونها – لأغراض البحث العلمي والتجارب- .
أرجو أن لا يكون عنوان مقالي هذا خادعا لكم وظالما لـ ” لورد مارتن رِيس “ذلك العالم في الكونيات والفيزياء الذي يطرح فيكتابه “ساعتنا الأخيرة” “Our Final Hour: كما يحمل عنوانه في أمريكا بينما يحمل عنوانه في بريطانيا عنوانا آخر هو “قرننا الأخير” “i\Our Final Century” فهو كما يرى أن القرن الحادي والعشرين ربما يكون أخر قرون البشرية بسبب التقدم الرهيب في تكنولوجيات مثل “الذكاء الصناعي” ومايستتبعها من روبوتات خارقة ومن تكنولوجيا حيوية والتي يكون فيها نسب مخاطرة وتوقعات بسوء استغلال من المجرمين والإرهابيين . وهاتان التكنولوجيتان قد يوديا بالبشرية إلى الدمار الشامل أو النهاية المبكرة.
وسوف أضع هنا بين أيديكم جزءا من محاضرة ألقاها ” لورد مارتن رِيس” عام 2005 في منتد “TED” الشهير :
\الموضوع الذي أناقشه هو أنه في هذا القرن، قد غير العلم العالم بسرعة غير مسبوقة وليس ذلك فحسب بل قد غيره بطرق جديدة ومختلفة الأدوية الموجهة، والتعديل الجيني، والذكاء الاصطناعي وربما الأجهزة التي تزرع في أدمغتنا كل ذلك قد يغير البشر أنفسهم. والبشر بتكوينهم الجسماني وطبيعتهم، لم يتغيروا منذ آلاف السنين ولكن ذلك قد يتغير في هذا القرن وذلك جديد في تاريخنا وتأثير الإنسان على البيئة العالمية -: الاحتباس الحراري والانقراضات الجماعية وما إلى ذلك — أمر غير مسبوق أيضا ولذلك، هذه الأمور تجعل القرن يحمل القادم تحدي التقنيات الحيوية وتقنيات زرع الأجهزة غير ضارة بالبيئة من حيث أنها تقدم فرصًا مذهلة رغم أنها تقلل الضغط على الطاقة والموارد ولكن سيكون لها جانب سلبي في عالمنا المتصلة أجزاؤه بعضها ببعض، قد تمنح التكنولوجيا الحديثة الفرصة لشخص متطرف أو مختل له عقلية من يصممون الآن فيروسات الحاسب الآلي لإحداث كارثة قد تحدث مصيبة حقًا بسبب فشل مغامرة فنية — أي عن طريق الخطأ أو الإرهاب وحتى لو كان احتمال حدوث مصيبة ضئيلا للغاية، فهذا أمر غير مقبول عندما تكون التبعات تؤثر على العالم بأكمله
في الواقع، منذ بضع سنوات، كتب “بيل جوي” مقالة يعبر فيها عن قلق هائل من أن الروبوتات قد تتفوقعلينا، وما إلى ذلك لا أتفق مع كل ذلك ولكن من المثير للاهتمام أنه كان لديه حل بسيط وكان ما أسماه “الهجر المجزأ”. كان يريد ترك الأنواع الخطيرة من العلم واستبقاء الأجزاء الجيدة. ولكن ذلك ساذج لدرجة تتنافى مع العقل وذلك لسببين. أولا، أي اكتشاف علمي يكون له آثار مأمونة وآثار خطيرة وكذلك، عندما يكتشف عالم شيئًا ما فهو في أغلب الأحيان ليس لديه فكرة عن تطبيقاته وذلك يعني أنه علينا قبول المخاطر إذا أردنا التمتع بمزايا العلم علينا أن نقبل بأنه ستوجد مخاطر وأظن أنه علينا الرجوع إلى ما حدث في فترة ما بعد الحرب الحرب العالمية الثانية، عندما كان علماء الطاقة النووية الذين اشتركوا في صنع القنبلة الذرية في كثير من الحالات يشعرون بقلق يدفعهم لفعل كل ما يستطيعون فعله لينبهوا العالم إلى المخاطر
ولم تلهمهم صورة أينشتاين الشاب الذي قام بعمل رائع في النسبية، ولكن ألهمهم صورة أينشتاين الكبير التي نجدها مطبوعة على الملصقات والتيشرتات ، إينشتاين الذي فشل في محاولاته العلمية لتوحيد قوانين الفيزياء فقد كان ذلك سابقًا لأوانه. ولكنه كان دليلا أخلاقيًا — كان إلهامًا للعلماء المهتمين بالحد من استخدام الأسلحة وربما كان أعظم هؤلاء الأشخاص على قيد الحياة هو شخص أحظى بشرف معرفته، وهو جو روثبلات مكتب غير مرتب مثل مكتب أينشتاين، كما ترون هنا عمره 96 عامًا وقد أسس حركة بوجواش وأقنع أينشتاين، في آخر ما قام به بتوقيع رسالة برتراند راسل الشهيرة وهو مثال للعالم المهتم وأظن أنه من أجل تسخير العلم بأفضل طريقة ممكنة واختيار الأبواب التي ينبغي فتحها وتلك التي ينبغي تركها مغلقة نحتاج إلى أمثال جوزيف روثبلات في عصرنا.
لا نحتاج فقط إلى علماء فيزياء يقومون بحملات ولكننا نحتاج علماء أحياء، وخبراء حاسب آلي وخبراء بيئيين كذلك وأعتقد أن الأساتذة الجامعيين وأصحاب المشاريع المستقلين عليهم التزام خاص لأنهم يتمتعون بحرية أكبر من الموظفين في الحكومة أو في القطاع الخاص الذين يخضعون لضغط تجاري
كتبت كتابي ” قرننا الأخير” “” كعالم كعالم بشكل عام. ولكن من وجه معين أعتقد أنه لأني عالم كوني فقد أتيح لي منظور خاص إذ أن علم الكون يقدم وعيًا بالمستقبل الواسع والفترات الزمنية الهائلة لماضي التطور ، والتي هي الآن جزء من الثقافة العامة .
ولكن معظم الناس، حتى أولئك الذين يفهمون نظرية التطور، ليسو واعيين بأن ما أمامنا من الوقت أكثر مما مضى
فالشمس تشرق منذ أربع بلايين ونصف بليون سنة ولكن لن ينفد وقودها حتى تنقضى ستة بلايين سنة أخرى نحن في المنتصف وستمر ستة بلايين سنة أخرى قبل أن يحدث ذلك وقبل أن تتبخر أي حياة متبقية على كوكب الأرض هناك اتجاه غير منطقي لتخيل أن البشر سيكونوا موجودين حينذاك ليشهدوا نهاية الشمس ولكن أي حياة وأي ذكاء حينها سيكونان مختلفان عنا بقدر اختلافنا عن البكتيريا
ما زال هناك شوط طويل أمام تطور الذكاء والتعقيد، هنا على الأرض وكذلك على الأرجح في أماكن أبعد بكثير فنحن إذًا ما زلنا في بداية ظهور التعقيد على كوكبنا وما عداه إن مثلنا لعمر كوكب الأرض بسنة واحدة تبدأ من يناير وتنتهي في ديسمبر سيكون القرن الحادي والعشرين بمثاابة ربع ثانية في شهر يونيو — كسر ضئيل من السنة ولكن حتى من هذا المنظور الكوني المنكمش فإن هذا القرن قرن خاص جدًا جدًا فهو أول قرن يستطيع فيه البشر أن يغيروا أنفسهم وكوكبهم
فإن البشر ليسوا من سيشهد لحظة نهاية الشمس ولكن من سيشهدها هم كائنات تختلف عنا بقدر اختلافنا عن البكتيريا
لنفترض أن كائنات فضائية كانت تراقب من بعيد هذه النقطة الزرقاء الشاحبة في الكون التي تمثل كوكبنا، ليس فقط لمدة أربعين سنة ولكن طوال تاريخ كوكبنا البالغ 4,5 بليون سنة فما الذي كانت ستراه هذه الكائنات؟ طوال هذا الوقت المديد، كان سيتغير مظهر الأرض بشكل تدريجي جدًا وكان التغير العالمي المفاجئ الوحيد سيكون آثار اصطدام الكويكبات الضخمة أو الانفجارات البركانية العظيمة وباستثناء هاتين الصدمتين القصيرتين، لا شيء يحدث فجأة
الكتل الأرضية القارية انجرفت الغطاء الجليدي تمدد ثم اضمحل ظهرت تتابعات من الأجناس الجديدة، وتطورت وانقرضت ولكن في قسم صغير جدًا من تاريخ الأرض وهو آخر جزء من المليون، أي بضع آلاف من السنين تغيرت أنماط الغطاء النباتي بسرعة غير مسبوقة ويعبر ذلك عن بدء الزراعة وقد تسارعت خطى التغيير كلما زاد عدد البشر ثم حدثت أشياء أخرى بشكل أكثر مباغتة في خلال خمسين سنة فقط — أي ما يساوي جزءًا من المائة من جزء من المليون من عمر الأرض ؛- كمية ثاني أكسيد الكربون في الجو تزداد وبسرعة خطيرة
أصبح الكوكب باعثًا كثيفًا لأمواج الراديو — وهي النتاج الإجمالي لجميع عمليات الإرسال الخاصة بأجهزة التليفزيون والهواتف المحمولة والرادارات. وحدث شيء آخر. أجسام معدنية — وإن كانت صغيرة جدًا، تزن أكبرها بضعة أطنان — انطلقت إلى الدوران حول الأرض وبعضها قام برحلات إلى الأقمار والكواكب إن كان هناك جنس ما من كائنات فضائية متقدمة تراقب نظامنا الشمسي من بعيد لكان بإمكانه التوقع بشكل يقيني بهلاك كوكب الأرض في غضون ستة بلايين سنة ولكن هل كانوا ليستطيعون توقع هذا التغير الحاد غير المسبوق قبل انقضاء أقل من نصف عمر الأرض؟ هذه التغييرات الذي أحدثها البشر والتي استغرقت في مجملها أقل من جزء من المليون من عمر الأرض المنقضي والتي تجري بسرعة يبدو أنها خارج السيطرة؟ إذا واصلوا المراقبة ما الذي يمكن لهذه الكائنات الفضائية الافتراضية أن تشهده في السنوات المائة القادمة؟ هل سيحرم الأرض من مستقبلها حدث مفاجئ؟ أم هل سيستقر الغلاف الجوي؟ أم هل ستقوم بعض الأجسام المعدنية التي يتم إطلاقها من الأرض بإحداث واحات جديدة، وإنشاء حياة ما بعد بشرية في مكان آخر؟
الدراسات العلمية التي أجراها أينشتاين الشاب ستستمر ما استمرت حضارتنا. ولكن كي تظل الحضارة حية سنحتاج إلى حكمة أينشتاين الكبير — بإنسانيته واهتمامه بالعالم وبصيرته وكل ما يحدث في هذا القرن الحرج الفريد سيكون له صدى في المستقبل البعيد، وربما في مكان أبعد من كوكب الأرض المبين هنا