كتب : عبد الرحمن عثمان
قامت فرنسا بإصدار قانون يحظر منظمة “الذئاب الرمادية” شبه العسكرية، التي تتخذ أيديولوجية قومية تركية يمينية متطرفة، على الأراضي الفرنسية، وكشفت بذلك واحدة من أهم أذرع وأدوات السلطة التركية للتدخل والتأثير على الاستقرار الأمني والاجتماعي في الدول الأوربية.فتلك المنظمة تتخذ أسلوب الاعتداء ونشر الكراهية تجاه القوى والشخصيات والكتل الاجتماعية المناهضة لسلوكيات السلطة التركية، سواء من الأتراك المعارضين والمناهضين لهذه السلطة، أو من أبناء الأقليات القومية الأخرى، مثل الأكراد والأرمن والسريان.
ومن خلال هذا الملف نستعرض لقرائنا ماهية تلك المنظمة الإرهابية:
تعريف: :
أو الذئاب الرمادية وتسمى أيضا الشباب المثالي وتعرف رسميا باسم (بالتركية: Ülkü Ocakları) (بالإنجليزية: Grey Wolves) ،
استلهم اسمها من أسطورة قديمة تتحدث عن ذئب (الذئب لديهم يرمز للشرف). ارتبطت هذه الاسطورة بالأصول العرقية التركية المتواجدة في سهول آسيا الوسطى.
و هي منظمة تركية يمينية متطرفة تشكلت في أواخرستينيات القرن العشرين . وتعتبر الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية، تعارض أي تسوية سياسية مع الأكراد، كما أنها كانت معادية للسلطة التركية قبل حكومة التنمية والعدالة ، وقد سبق أن اتهمت بالإرهاب.
التأسيس
أسسها ألب أرسلان توركش، وهو عقيد سابق في الجيش التركي، وأحد قادة الانقلاب 1960، وتعتبر هذه المنظمة الجناح العسكري السري لحزب الحركة القومية وتسمى هذه المنظمة بـ”حركة الشباب المثالي” ولاحقًا “فرق الموت”.
وتعد المجموعة القومية المتطرفة التي تتخذ علامة رأس الذئب عبر جمع الإبهام مع الوسطى والبُنْصُر، قريبة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تاريخيا، كانت منظمة “الذئاب الرمادية” مليشيا عسكرية مسلحة، مرتبطة أيديولوجيا وسياسيا بحزب المنظمة القومية التركية MHP، الذي يُعتبر امتدادا سياسيا للتنظيمات القومية التركية المتطرفة، والتي تعتبر نفسها صاحبة الدولة والمسؤولة عن حماية القومية التركية.وكانت هذه المنظمة تعمل كذراع عسكري لتنفيذ الاغتيالات السياسية لصالح قوى اليمين التركية المتطرفة، طوال عقود سابقة، خصوصا في عقدي الستينيات والسبعينيات، حينما كانت تركيا تشهد مايشبه الحرب الأهلية بين اليمينيين واليساريين.فهذه المنظمة المتهمة بتنفيذ آلاف عمليات الاغتيال والتغييب القسرية، لم تتعرض لأية مسائلة أو محاكمة، لأنها كانت ممثلة ومحمية من قوى الدولة التركية العميقة، التي أصبح يمثلها حاليا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب التنمية والعدالة .
أماكن الحشد والتجنيد:
داخل تركيا ، تنشط الذئاب الرمادية في قطاعات مختلفة من الاقتصاد، والتعليم، والمراكز الثقافية والرياضية وتمثل الجامعات والكليات بيئة مهمة لنشاط عناصر المنظمة ولكن تاثيرهم الحقيقي المباشر يبدأ من الشوارع، وبين الفقراء الساخطين في مناطق المسلمين السنة،
وقد تألفت منظمة الذئاب الرمادية من الشبان التركي حصرًا، وغالبا من الطلاب أو المهاجرين الذين تركوا الريف ونزحوا إلى أكبر مدينتين في تركيا وهي إسطنبول وأنقرة.
أماكن النشاط[خارج تركيا:
شمال قبرص والصين و اسيا الوسطى وسوريا وليبيا وأوروبا
الأفكار[
تركز منظمة الذئاب الرمادية في أفكارها على:
- التفوق للعرق والشعب التركي واستعادة أمجاده وتاريخه
2- السعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة تمتد من البلقان إلى آسيا الوسطى مستلهمين ذلك من تاريخ الدولة العثمانية التي جمعت تحت سلطتها الكثير من الولايات [ التي أصبحت الآن دولا مستقلة] في آسيا وأوروبا وأفريقيا
- 3 – محاولة دمج الهوية التركية والدين الإسلامي في توليفة واحدة وهو ما تراه مهيمنًا جدا في خطاباتهم وأطروحاتهم.
- 1- 4- معاداة القوميات الأخرى كالكرد واليونان والأرمن وباقي المجموعات الدينية كالمسيحيين واليهود،
5 – معارضة القضية الكردية في تركيا بشتى الوسائل.
إنتماءات متعددة:
نشاطها في السبعينات والثمانينات
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي؛ عُرِفَت تلك المنظمة في الأجندة التركية بصراعاتها وخلافاتها مع المنظمات اليسارية. أما في التسعينات، فظهروا هذه المرة بهيكل يشبه «المافيا». وفي السنوات الأخيرة، كان قادتهم تحت سيطرة نظام إردوغان بسبب تحالف زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، مع رئيس حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يراه البعض تنظيماً عرقياً عنصرياً ظلامياً، لدرجة أنه بسبب هويته ، كان يتبعه وزراء ومسؤولون شديدو التزمت حتى في وقت الإمبراطورية العثمانية. بينما يراه البعض الآخر أنه نتاج تركيبة تركية قومية ـ إسلامية. لكن الحقيقة هي أن منظمة «الذئاب الرمادية»، التي تشبه إلى حد كبير المنظمات العنصرية والشوفينية والفاشية في الغرب، ليست متجانسة في حد ذاتها ولا تنطوي على فصيل واحد؛ إذ يمكن أن تضم في جعبتها داخلياً من هم شديدي التطرف من أبناء الأناضول وصولاً إلى المتدينين العاديين.
كيف تتصرف الذئاب تحت سلطة أردوغان؟
هناك أمثلة عديدة مثيرة للاهتمام حول كيفية تصرف «القوميين/ الذئاب الرمادية» بشكل غير متسق بعد أن أصبحوا في الآونة الأخيرة تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية. فخلال الفترة التي لم يعلن فيها دولت بهتشلي بشكل رسمي عن تحالفه مع أردوغان، كان «الذئاب» حساسين للغاية بشأن قضية اضطهاد الصين لأقلية الأويغور التركية المسلمة. هذا الموقف دفع أبناء المنظمة، الذين يحتجون ضد قمع واضطهاد الصين لمسلمي «الأويغور» الذين يعيشون في إقليم «تركستان الشرقية» الذي تسيطر عليه بكين وتسميه «شينجيانغ» أي «الحدود الجديدة»، إلى التعدي بالضرب على كوريين كانوا قد جاءوا إلى تركيا كسائحين اعتقاداً منهم أنهم صينيون في واقعة حدثت في 4 يوليو (تموز) من عام 2015. ودفاعاً عن هذا الموقف، قال بهتشلي إن كلا من الصينيين والكوريين يملكون عيونا صغيرة ضيقة مسحوبة، وقد لا يدرك «الذئاب» ذلك.
لماذا تصمت الذئاب على اضطهاد إخوانها في الصين
ومع ذلك، لا يُظْهَر «الذئاب» ولا حتى بهتشلي أي ردة فعل الآن تجاه الممارسات القمعية للصين، التي بدأت من العام
الماضي، لنقل »الأويغور» إلى معسكرات الاعتقال القسري، في وقت تتخذ فيه العديد من الدول وعلي رأسها الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية ردود فعل قوية ضد الصين بسبب تلك الأفعال.
مما لا شك فيه أن تحالف أردوغان المناهض للغرب مع روسيا والصين وإيران يلعب دوراً مهماً في ذلك. ومع ذلك، في خطاب ألقاه في سبتمبر 2017 بعد ذهاب الإدارة الكردية في شمال العراق إلى استفتاء من أجل الاستقلال، قال بهتشلي مهددا إن خمسة آلاف من «الذئاب الرمادية» جاهزون لدخول شمال العراق وكركوك.
الذئاب الرمادية في أوروبا
قدرت المؤسسات الأمنية الأوربية أعداد المنظمة القومية التركية العابرة للحدود بعشرات الآلاف من الشبان، المنظمين على شكل حلقات مغلقة حسب المدن والأحياء الموزعة عليها، بحيث تتألف كل حلقة من عدد يتراوح بين 100 إلى 200 عنصر، مرتبطين بشكل عنقودي بالجهة التنظيمية المركزية للمنظمة، الموجودة في تركيا.
وكانت هذه المنظمة معروفة بالنسبة للمؤسسات الأمنية الأوربية فقط ، لكن منذ أن حظرتها الحكومة النمساوية عام 2018، فإن المنظمة ونشاطاتها التخريبية صارت جزءا من النقاش السياسي والثقافي، وحتى الاجتماعي، الأوروبي.
الإنتشار في أوروبا
انتشار تلك المنظمة في أوساط الجاليات التركية الموجودة في أوروبا بدأ منذ أوائل الستينيات من القرن العشرين ، فمع زيادة العمالة التركية في الدول الأوروبية، حرصت السلطات التركية على تمتين أواصر العلاقات بتلك الجمعية، للحفاظ على الارتباط والولاء الـيديولوجي للجاليات التركية.
رؤية أوروبية
موقع “Duvaren” نقل عن قيادات ومسؤولين من حزب اليسار الديمقراطي الألماني، تأكيدهم أنهم يسعون لدفع الحكومة الاتحادية الألمانية إلى إغلاق وتجريم الانتماء إلى منظمة “ADUTDF” الألمانية، التي وإن كانت تتخذ تسميات تتعلق بالديمقراطية، إلا أنها فعليا “المطابق الألماني” لمنظمة الذئاب الرمادية الفرنسية، وتقوم بنفس الأدوار التخريبية المناهضة للأرمن والأكراد والمعارضة التركية في ألمانيا. قياديون ألمان، على رأسهم القيادي في حزب الخضر الألماني، وهو من أصول تركية، جيم أوزدمير، انضموا لدعوات حزب اليسار الديمقراطي الألماني، وقالوا حسب الموقع الألماني: “ترتبط الذئاب الرمادية ارتباطًا وثيقًا بالحزب التركي اليميني MHP، وهو الشريك في الائتلاف الحاكم مع حزب العدالة والتنمية AKP، ومن دائرة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يلاحق ويرعب أولئك الذين يفكرون بطريقة مختلفة عنه، نحن نحث على (عدم التسامح مطلقًا مع المنظمات الفاشية)”.
موقع ” TheNationalNews” نشر تقريرا موسعا عن تاريخ هذه المنظمة في الأراضي التركية طوال العقود الماضية، فهي كانت مسؤولة عن المذبحة المروعة في مدينة كهرمان مرعش عام 1978، التي راح ضحيتها أكثر من 100 من أبناء الأقلية العلوية. وكذلك نفذت عشرات عمليات الاغتيال بحق القادة السياسيين اليساريين الأتراك، ثم بدأت المنظمة بحملة واسعة لاغتيال القادة السياسيين والثقافيين الأكراد في البلاد، طوال عقدي الستينيات والسبعينيات، على رأسهم الروائي الكردي الشهير موسى عنتر، لتعود اليوم للانتعاش، ولو خارج الأراضي التركية، بتنفيذ أعمال شبيهة بتلك.
الكاتب والباحث جيرالد دارمانين، كتب تقريرا في موقع “THE CANADIAN”، يوثق ما رآه، واصفا الحالة النفسية والأيديولوجيا لقرابة 200 شاب تركي كانوا يهاجمون أبناء الجالية الأرمنية في منطقة ديسين شاربيو، بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، وهم مدججون بالأسلحة البيضاء.”أن تعطيني الحكومة ألفي يورو وسلاحا، وسأفعل ما يمكنني القيام به في أي مكان بفرنسا (…) نحن حوالي 200 ألف تركي، سنفعل ما علينا القيام به”، هكذا نقل الكاتب عن شخص يدعى أحمد جتين، الذي لم يكن يبلغ من العمر إلا 23 عاما، ويعتبر زعيما محليا لهذه العصبة في منطقة تواجده.وتنبأ الكاتب بأن يتحول هذا المشهد الاجتماعي المرعب إلى مشهد عام، ما لم تتخذ الحكومة الفرنسية قرارات حاسمة بشأنه، على مختلف الأصعدة المالية والأيديولوجية والأمنية والتنظيمية، بما في ذلك تصنيفها في لائحة الإرهاب.
حظر فرنسي
قررت الحكومة الفرنسية يوم 4 نوفمبر 2020 ، حلّ حركة الذئاب الرمادية التركية القومية، على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على التراب الفرنسي.ونشر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، نص قرار الحلّ على حسابه في موقع تويتر، مشيرا إلى أن القرار “اتخذه مجلس الوزراء بناء على تعليمات من رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، باعتبار الحركة تحرض على التمييز والكراهية وتورطت في أعمال عنف”.ويأتي هذا القرار بعد أيام قليلة من نزول نحو 250 شخص، يعتقد أن أغلبهم ينتمي لحركة الذئاب الرمادية في مدينة ديسين-شاربيو قرب ليون، شرق البلاد، للشوارع ومهاجمة مواطنين من أصول أرمنية، بسبب النزاع في إقليم ناجورنو كارباخ بين أرمينيا وأذربيجان التي تدعمها تركيا، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، أحدهم حالته خطرة. كما كتبت عبارة “الذئاب الرمادية” على نصب تكريمي لضحايا الإبادة الأرمنية والمركز الوطني للذاكرة الأرمنية.
وتضم حركة الذئاب الرمادية قوميين أتراك وتنشط في العديد من البلدان الأوروبية، خاصة في الأماكن التي تضم جاليات تركية كبيرة، وتحمل أفكاراً عنصرية تجمع بين التفوق العرقي والتطرف الديني، ويقودها داخل فرنسا أحمد جتين، المتهم قضائيا “بالتحريض على الكراهية”.
أنقرة تتوعد برد “حازم” على حل “الذئاب الرمادية” المتطرفة
السلطات التركية ردت على القرار الفرنسي بالقول: “سنرد بشكل حازم على الإجراء التركي”، وهذا رد فعل يثبت الارتباط الوثيق للمنظمة مع السلطة التركية، وهو أمر يمنعه قانون الجمعيات الفرنسية منذ عام 1905. لكن المراقبين لم يلاحظوا حتى الآن أية ترجمات مباشرة لشكل الرد التركي الممكن، فالدولة الفرنسية لا تملك جمعيات أهلية تذكر على الأراضي التركية، إلا أن المخاوف تذهب لإمكانية أن تشكل ردة الفعل التركية مزيدا من القلاقل التي قد تفتعلها تلك المنظمة في الأراضي الفرنسية.
أداة في يد أردوغان
وتشير وسائل إعلام فرنسية إلى صلة الحركة القوية، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة بسبب توقيت التحرك الميداني الذي قامت به المنظمة مؤخرا في أعقاب حرب التصريحات بين الرئيس التركي ونظيره الفرنسي، على خلفية مقتل المدرس صامويل باتي وقضية الرسوم المسيئة للرسول محمد [صلى الله عليه وسلم] .ويرى الباحث في قسم العلوم السياسية بجامعة “باريس إست” رامي التلغّ في حديث مع سكاي نيوز عربية أن السياسة الخارجية لأردوغان تقوم على محاولة استنهاض الشعور القومي التركي من خلال توظيف الوجود التركي العرقي في كل مكان لخدمة مصالح مشروع حزب العدالة والتنمية”.
ويتابع: “تقوم الدعاية التركية بالنفخ في مشاعر التفوق القومي الشوفيني وخلطها بالإيديولوجية الدينية المتطرفة التي يرعاها الحزب. ونلاحظ أن هذه السياسة تستغل كل مكان وجد فيه الأتراك لخلق نوع من الإرتباك الداخلي في هذه الأماكن. في ليبيا يستغل أردوغان وجود قطاع من الشعب الليبي من ذوي الأصول التركية في مصراته للتدخل هناك بمساعدة جماعة الإخوان المسلمين وفي الصين يدعي نصرة المسلمين الإيغور من أصول تركية وفي سوريا يوظف التركمان السورين في حروبه داخل سورية وخارجها في أرمينيا وليبيا. وكل هذا نابع من المشروع الكبير الذي يتبناها وهو إعادة بعث العثمانية البائدة والتي قامت تاريخيا على فكرة المشروعية الدينية والتفوق العرقي التركي”.
من جانبها، اتهمت صحيفة أحوال التركية المعارِضة، في تقرير نشر الإثنين، أردوغان، بأنه “يستغل الجاليات التركية والمسلمة في أوروبا، وبخاصة في النمسا وألمانيا وفرنسا، من أجل الضغط على الدول التي يقيمون فيها، ليقدّم نفسه زعيما ممسكا بخيوط اللعبة، وأنّ بإمكانه إثارة الفوضى في تلك البلدان حين يريد، وأن ثمن ذلك سيكون صمت أوروبا على سياساته، أو عليها مواجهة الغضب والفوضى الذي يمكن أن يثيره في مجتمعاتها”.