توفي السبت [26 ديسنبر 2020] بروسيا آخر الجواسيس الروس لدى بريطانيا، وهو جورج بليك، والذي كان أحد أهم جواسيس الاتحاد السوفيتي داخل المؤسسة الاستخباراتية البريطانية في ذروة الحرب الباردة .
في رسالة تعزية نشرها الكرملين، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بليك كان مهنيا ذا حيوية وشجاعة خاصة، وقدم مساهمة لا تقدر بثمن في مجال التوازن الاستراتيجي العالمي والسلام.وكتب بوتين “ذكرى هذا الشخص الأسطوري ستبقى في قلوبنا إلى الأبد”.
حياته:
ولد بليك في روتردام بهولندا في 11 نوفمبر، 1922، لأب يهودي مصري، حاصل على الجنسية البريطانية ، بينما كانت أمه هولندية .هرب من هولندا في الحرب العالمية الثانية بعد انضمامه إلى المقاومة الهولندية ، ووصل إلى بريطانيا في يناير 1943. وانضم إلى البحرية البريطانية ، وبعد ذلك بدأ العمل في المخابرات البريطانية السرية MI6 عام 1944.
بعد الحرب، خدم بليك لفترة وجيزة في مدينة هامبورج الألمانية، ودرس اللغة الروسية في جامعة كامبريدج قبل إرساله في عام 1948 إلى سيول حيث جمع معلومات استخبارية عن كوريا الشمالية الشيوعية، والصين الشيوعية، والشرق الأقصى السوفيتي.
عندما استولت القوات الكورية الشمالية على سيول بعد بدء الحرب الكورية في عام 1950 أُلقي القبض عليه وسُجن. وخلال الفترة التي قضاها في سجن في كوريا الشمالية، أصبح شيوعيا ملتزما، يقرأ أعمال كارل ماركس ويشعر بالغضب من قصف الولايات المتحدة لكوريا الشمالية بالأسلحة الثقيلة.
إزدواجية الجاسوسية:
بعد إطلاقه في عام 1953، عاد إلى بريطانيا وفي عام 1955 أرسلته المخابرات البريطانية إلى برلين، حيث كان يجمع معلومات عن الجواسيس السوفييت، لكنه بدأ، في نفس الوقت ،العمل لصالح الإتحاد السوفيتي ، حيث نقل أيضا أسرارا إلى موسكو حول العمليات البريطانية والأميركية.
وعن ذلك قال في مقابلة نشرتها صحيفة روسيسكايا غازيتا الحكومية الروسية عام 2012، “كنت ألتقي برفيق سوفيتي مرة في الشهر تقريبا”.وصف بليك كيف سافر خلال هذه الاجتماعات إلى القطاع الذي يسيطر عليه الاتحاد السوفيتي في برلين على خط سكة حديد يربط بين أجزاء مختلفة من المدينة المقسمة. يكون شخص الاتصال في العادة بانتظاره في سيارة، ثم يذهبان إلى مخبأ آمن.”كنت أسلم الأفلام ونتجاذب أطراف الحديث. في بعض الأحيان كان نشرب كأس من شمبانيا تسيمليانسك (نبيذ سوفياتي فوار) “،.
وقالت بريطانيا إنه كشف لمخابرات الإتحاد السوفيتية “كي جي بي” هويات مئات العملاء الغربيين في أنحاء أوروبا الشرقية في خمسينيات القرن الماضي، وقد أُعدم بعضهم نتيجة لخيانته.
كانت قضيته بين أشهر القضايا في الحرب الباردة، إلى جانب تلك الخاصة بمجموعة من العملاء البريطانيين المزدوجين المعروفين باسم Cambridge Five
في النهاية كشف منشق بولندي بليك كجاسوس سوفيتي في عام 1961 فأعيد إلى بريطانيا، حيث حوكم ،
، وحُكم عليه بالسجن 42 عاما في سجن وورموود سكربس بلندن. وفي ما يشبه القصة الخيالية، هرب بليك عام 1966 بمساعدة زملائه الآخرين واثنين من الناشطين في مجال السلام. وتم تهريبه من بريطانيا بسيارة كارافان.لقد نجح في اجتياز أوروبا الغربية دون أن يفتضح أمره، وعبر الستار الحديدي إلى برلين الشرقية.
وعندما هرب من وورمود سكربس، ترك وراءه زوجته، جيليان، وثلاثة أطفال. وبعد أن طلقته جيليان، تزوج بليك من امرأة سوفياتية اسمها إيدا، وأنجب منها ابنا، ميشا. عمل في معهد للشؤون الخارجية قبل أن يتقاعد مع زوجته في منزل ريفي خارج موسكو .
خماسي كامبريدج:
على الرغم من أن بليك عمل بشكل منفصل عن “خماسي كامبريدج” وهي حلقة تجسس تكونت من طلاب سابقين في كامبريدج كانوا يمررون معلومات إلى الاتحاد السوفيتي، قال بليك إنه خلال تقاعده تعرف على اثنين منهم، دونالد ماكلين وكيم فيلبي.وتذكر شرب المارتيني، وهو الكوكتيل المفضل للجاسوس البريطاني الخيالي جيمس بوند، مع فيلبي، لكنه قال إنه كان أقرب إلى ماكلين.وتوفي ماكلين في روسيا عام 1983، وفيلبي عام 1988. وتوفي جاي بيرجس في روسيا عام 1963 وأنتوني بلانت في لندن عام 1983. وتوفي جون كايرنكروس، آخر من تم الكشف عن هويته علنا من قبل الصحفيين الاستقصائيين وضباط المخابرات السوفيتية السابقين، في إنجلترا عام 1995.
متأملا حياته، قال بليك في مقابلة مع رويترز، في موسكو عام 1991، إنه كان يعتقد أن العالم كان يقترب من فجر الشيوعية.وقال “لقد كانت فكرة مثالية، كان يمكن أن تتحقق وكانت تستحق العناء”.”اعتقدت بإمكانية تحقيق ذلك، وفعلت ما بوسعي للمساعدة في تحقيقه، وبناء مجتمع كهذا. لكن ثبت أن ذلك لم يكن ممكنا. لكنني أعتقد أنها فكرة نبيلة وأعتقد أن البشرية ستعود إليها “.
مابعد الجاسوسية :
أمضى بليك بقية حياته في الاتحاد السوفيتي ثم في روسيا حيث كرم كبطل قومي.
بليك، الذي يحمل الاسم الروسي جورجي إيفانوفيتش، حصل على ميدالية من بوتين في عام 2007، ورتبة مقدم في جهاز الأمن السوفيتي السابق كي جي بي، والذي حصل منه على معاش تقاعدي.
قال بليك في مقابلة عام 2012 بمناسبة عيد ميلاده التسعين: “هذه هي أسعد سنوات حياتي، وأكثرها سلمية”. بحلول ذلك الوقت، ، كان بصره ضعيفا وكان “أعمى تقريبا”
. لم يندم “بليك” على ماضيه.وقال “بالنظر إلى حياتي ، كل شيء يبدو منطقيا وطبيعيا”، واصفا نفسه بـ”السعيد” و”المحظوظ”.