هل تتعلم أفريقيا الحكمة من رؤوس الدول المتقدمة التي فتك بها “كورونا”؟
كتب : عبد الرحمن محمد عثمان
أفريقيا ،القارة السمراء المنهكة إقتصاديا من جراء حروب إقليمية وداخلية وضد الإرهاب، والمنهكة صحيا من أوبئة الإيبولا والإيدز والكوليرا ، والمنهكة سياسيا من صراعات على الحكم بعد 60 عاما من التحرر من نير الإستعمار الأوروبي… هذه القارة النامية التي كان سكانها يحلمون بالإنتصار على كل هذه الظروف والإنتقال لعالم جديد من الإستقرار والتنمية . لكن ، وآن منلكن ، يتهددها الآن نفس الوباء الذي إجتاح العالم بأسره من الصين شرقا إلى الولايات المتحدة غربا من روسيا وأوروبا شمالا حتى بيرو في أمريكا الجنوبية. ولم تستطع كل القوى الكبرى والعظمى منعه من حصد أرواح الألاف وربما قريبا الملايين من أرواح سكانها.
لكن أفريقيا ، هذه المرة ، أمامها فرصة العمر للنجاة وإنقاذ أبنائها من الخطر الداهم والوحش الكاسر الذي لم يرحم أحد استهتر به ولم يتقبل نصيحة العلماء ولم يتعلم من التجربة الصينية التي هي الأنجح في الوقوف بحزم أما تسونامي الفيروس القاتل الغامض .
إن العالم كله ينبه أفريقيا لكي تأخذ حذرها وتتخذ من التدابير الإحترازية البسيطة الكفيلة بمنع هذه الجائحة من إجتياح أفريقيا التي إن تفشى فيها فلن يكتب لها إلا مصيرا أسوأ من أوروبا وأمريكا.
لقد تسبب وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) بعد انحراف عائلة كورونا عن مسارها في عام 2003، في حصد آلاف الأرواح، وإصابة أكثر من مليون و700 ألف شخص حول العالم، قرابة النصف في قارة أوروبا وحدها، وذلك لبطء وعشوائية الاستجابة للإجراءات الاحترازية الطارئة التي كان يتحتم اتخاذها؛ مما أدى إلى تفشي الفيروس الذي بنى انتشاره على أخطاء البشر ولامبالاتهم وعدم اعتدادهم بالتدابير الاحترازية اللازمة.
وفيما لاتزال أوروبا هي أكثر قارات العالم تضررا من انتشار فيروس كورونا المستجد، أصبحت الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم تضررا من انتشار الفيروس على أراضيها، حيث تخطى عدد الإصابات المؤكدة نصف مليون حالة، كما تجاوزت 20 ألف حالة وفاة، بحسب إحصائيات خريطة جامعة جونز هوبكنز. بينما وصل عدد ضحاياه في العالم لأكثر من 110 ألف قتيل.
وبعدما أحكم الفيروس قبضته على الولايات المتحدة الأمريكية، وقارة أوروبا ، وصل متأخرا إلى القارة السمراء. وكان معظم حالات الإصابة قادمة إلى أفريقيا من أبنائها العائدين من دول أروبا وآسيا.
إن أفريقيا تقف ، حاليا ، بين الاحتواء والكارثة، حيث تخطى عدد المصابين بفيروس كورونا الجديد في إفريقيا، حتى الآن، حاجز 10 آلاف إصابة، فيما بلغ عدد الوفيات عدة مئات وفقا لمصادر إفريقية إقليمية ومحلية. ومعظم حلاتها حاليا ي دول شمال أفريقيا .
ووفقا للتقارير، فإن الفيروس انتشر في كل دول القارة تقريبا، حيث ظهرت إصابات بمرض كوفيد -19 في 52 دولة من أصل 54 دولة إفريقية، وقالت دراسة إحصائية، إن عدة دول إفريقية شهدت مؤخرا زيادة في عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا ، وفي حالة وصول مستويات الإصابة إلى نفس المعدلات التي شهدتها الصين والولايات المتحدة و أوروبا ، فمن المتوقع أن أن تعجز أفريقيا عن وقف الفيروس عند أي حدود وأن تحل حالة من الذعر والفوضى والارتباك.
وحيث خصصت الدول الإفريقية جزءا من مواردها المحدودة للإنفاق على الأجهزة والفرق الأمنية اللازمة لمكافحة الإرهاب، فإنها تواجه الآن تحديا مزدوجا مع ظهور جائحة كورونا ، حيث يتعين عليها حشد الموارد المالية اللازمة لتقديم الخدمات الصحية للمصابين، وكذلك إمدادات إنسانية للمواطنين الذين يتضررون
اقتصاديا جراء هذه الأزمة الصحية.
وما يدعو للقلق هو ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير ، عالميا، دون معرفة الأسباب، على الرغم من أن إشكاليات وتحول الوضع الجيوديسي فى دول إفريقيا كشف أنه كانت لديها فرصة للتعامل مع الفيروس بصورة أمثل في ظل تجارب الدول الأخرى، إلا أن الوضع الحالي يرشحها للسيناريو الأسوأ، وذلك بحسب التحذير الذي وجهه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبرييسوس.
وفي تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التدوينات القصيرة (توتير)، قال أدهانوم، إن انتشار فيروس كورونا المستجد، يتسارع بشدة في إفريقيا، مشيرا إلى أن الأمر استغرق ، في الصين وأروبا وأمريكا، 67 يوما فقط من ظهور أول حالة تم الإبلاغ عنها للوصول إلى أول 100 ألف حالة، ثم استغرق 11 يوما لوصول الحالات إلى 200 ألف، و4 أيام فقط لوصول عدد الحالات 300 ألف، مطالبا إفريقيا بـ”الاستفاقة” لمواجهة الخطر، وقال “إن النصيحة الأفضل التي يمكن تقديمها لإفريقيا هي الاستعداد للأسوأ والاستعداد من الآن”.
عدم جاهزية النظام الصحي في العديد من الدول، والنقص الهائل فى كواشف المرض، وضعف معامل التحليل، إلى جانب ضغط الفقر الذى يضطر شريحة واسعة من الأفارقة للخروج للبحث عن لقمة العيش، ونقص المياه النظيفة الذي يحول دون غسل الأيدى باستمرار، وضعف القدرة الشرائية التي تمنعهم من شراء المطهرات اللازمة، فضلا عن إصابة الكثيرين بأمراض نقص المناعة والأمراض المعدية، جميعها عوامل ستدفع قارة إفريقيا إلى الوصول لمرحلة الانتشار التي تنذر بكارثة حقيقية، خاصة إذا انتشر الفيروس في المدن والقرى الإفريقية المكتظة بالسكان، والضواحي وأحزمة البؤس ومخيمات اللاجئين.
ولكن الأمر ليس بيد أفريقيا والأفارقة وحدهم، فأوروبا وأمريكا والصين ، رغم إنشغالهم بذاتهم، لابد أن يقدموا لأفرقيا بعض الموارد المالية التي تعينها على الوقوف أمام الجائحة. فهذه القوى كسبت كثيرا ونهبت كثيرا من مقدرات أفريقيا الطبيعية . وتتوافر لديها الموارد المالية الهائلة التي لن يفقرها أن توزع بعضها منحا لشعوب القارة الضعيفة إقتصاديا لأنها إن نجت بشبابها سوف تكون المنقذ لعالم “ما بعد كورونا “