
في مثل هذا اليوم الثامن عشر من إبريل 1983 اقتربت سيارة
متوسطة الحجم من مبنى السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية
بيروت، المطل على البحر في حىّ عين المريسة. كانت السيارة تحمل
لوحة دبلوماسية، فلم يشتبه بها أحد، ولم يخطر بالبال أنها ستنفجر
وتتسبب في خسائر فادحة.
كانت السيارة محملة بمئة وخمسين كيلوغراما من المواد شديدة الانفجار، وما إن بلغت باب السفارة حتى انفجرت، وارتجت العاصمة اللبنانية من جراء هذا الانفجار، الذي أسفر عن سقوط ثلاثة وستين قتيلاً ونحو مئة جريح. وقد تناثرت جثث الضحايا في محيط السفارة، التي أصيب مبناها أيضا بأضرار جسيمة، ولم يعد صالحاً للإستخدام.
ومن بين القتلى ستة من جنود المارينز وجنديان أميركيان وجنديان لبنانيان من المكلفين بحراسة السفارة. على أن العدد الأكبر من القتلى كان بين المواطنين اللبنانيين الذين قصدوا القسم القنصلي في السفارة الأميركية بقصد الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، إضافة إلى موظفي هذا القسم، وبعض موظفي السفارة الذين
كانوا في المقصف التابع للسفارة والكائن في الطابق الأرضي، يتناولون وجبة الغداء، ذلك أن الانفجار وقع عند الساعة الواحدة ظهرا .
وكان السفير الأميركي روبرت ديلون موجودا في مبنى السفارة وقت حدوث الانفجار. وقد نجا من الموت، لكنه أصيب بجروح مختلفة. وكان
يستعد لمغادرة المبنى للذهاب لممارسة رياضة “الجوكينغ”. وقد قال للصحافيين: “كان جهاز التلفون في يدي، وفي يدي الأخرى قميص الرياضة. وفجأة دوّى الانفجار، وتعرضت جدران الغرفة للإنهيار”.
وقد هرع موظفو السفارة إلى مكتب السفير وانتشلوه من تحت الركام، وخرج من الغرفة التي اختفت نافذتها، وأجري له الإسعاف الأوّلي ثم
بدأ يتفقد المبنى ويدرك أبعاد الانفجار وما نجم عنه.
وكان دبلوماسيان أميركيان كبيران موجودين يومذاك في العاصمة اللبنانية بيروت، هما فيليب حبيب ومريس درايبر. لكنهما لم يكونا في مبنى السفارة وقت حدوث الانفجار، بل كانا على بعد خمسة كيلومترات، في قصر بعبدا، يتفاوضان مع رئيس الجمهورية اللبنانية أمين الجميّل. وكانت زوجة موريس درايبر موجودة في السفارة. لذلك هرع الدبلوماسي لتفقد زوجته، وعلم أنها نقلت إلى مستشفى الجامعة الأميركية لتلقي العلاج بعد إصابتها بجروح. هذا وقد أعلنت منظمة تطلق على نفسها “الجهاد الإسلامي” مسؤوليتها عن الحادث. وقد جاء هذا الاعتداء على السفارة الأميركية في الفترة التي تواجدت فيها في بيروت، القوات متعددة الجنسيات، الأميركية والفرنسية والإيطالية، التي توافدت على العاصمة اللبنانية في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي (1982). ومنذ تواجدها تعرضت هذه القوات، خصوصا الأميركية، لمحاولات اعتداء. وبعد انفجار السفارة أعرب الرئيس الأميركي رونالد ريجان عن أسفه الشديد وقال: “إن هذا الهجوم المجرم على سفارتنا لن يثنينا عن مواصلة سيرنا نحو هدفنا، وهو إحلال السلام في المنطقة”.
وإذا كان هذا الهجوم بعينه لم يثن الولايات المتحدة عن إبقاء قواتها في لبنان، فإن اعتداء آخر نفذ يوم الثالث والعشرين من أكتوبر 1983 جعل القوات الأميركية تنسحب من لبنان. والذي حدث في ذلك اليوم أن سيارة مفخخة يقودها انتحاري اقتحمت مقر قيادة قوات المارينز الأميركية القريب من مطار بيروت، وانفجرت وسط الجنود.
ونجم عن ذلك مصرع مئتين وثلاثين من الجنود الأميركيين. وفي الوقت نفسه وقع اعتداء مماثل تماما على مقر القوات الفرنسية، أسفر عن مصرع ثمانية وخمسين جنديا فرنسيا.